مصلح وظاهرة النقد الفئوي!
الثلاثاء - 07 ديسمبر 2021
Tue - 07 Dec 2021
مللنا جدران الاستراحة، وقررنا الخروج إلى البر، وأوكلنا المهمة إلى أمين الاستراحة الشاب السبعيني مصلح، لكنه طالبنا بتدوين طلبات (الطلعة) فحسبها بعناية، ثم أجاب برفض المشروع لارتفاع التكاليف، وبعد إلحاح وافق، وفاجأنا بقرار استعارة حافلة (ديزل)، واستبدال الأواني البلاستيكية والمستأجرة بأواني الاستراحة، ورفض كل مقترحات اللحوم الحمراء، واستبدلها بالدجاج، وعيّن حصصا لمياه الشرب والغسيل، والقهوة والشاي، ووزع الأدوار علينا بالتساوي، فوافقنا على مضض.
في الصباح الباكر ركبنا الحافلة، وتجاذبنا أطراف الحديث، فقال مرزوق: «يا أخي لم تر عيني مثل المتقاعدين، من كثرة الفراغ زاحمونا في الاستراحات وفي مواقع التواصل الاجتماعي»، فقال آخر: «صدقت، المتقاعد لفظه عمله، ونبذته حتى أسرته، وأصبح وبالا علينا»، كان مصلح منهمكا في مراجعة الطلبات، وكنت أحادثه وأرفع صوتي كيلا يسمع حديثهما، وبعد أن تأكد من كل شيء قام من مكانه وجلس جوار المتحدثين، وقال:
«ماذا فعل لكما المتقاعدون؟ وما ذنبهم إن انخرطوا في الأنشطة المختلفة؟ ومن أنتم حتى تقسموا الناس فئات بحسب وظائفهم أو شهاداتهم أو حالاتهم الاجتماعية؟ يجب أن تخجلوا من أنفسكم».
صمت الجميع، لكن مصلح ما يزال مشتعلا، وطلب من سائق الحافلة التوقف، وقرر أن يغادر المنتقدان الحافلة، فرفضا، فطلبنا من مصلح الهدوء فالأمر لا يستحق، لكنه رفض كل محاولاتنا وأقسم أن ينزلا أو تعود الحافلة إلى الاستراحة، فقال أبو مانع: «مصلح على حق، هذه الأيام تتعالى موجة نقد الفئات لبعضها، وليته نقد موضوعي، لكنه لا يعدو الحديث النفسي بما يجده المنتقدون تجاه بعضهم، مثل نقد الزميلين للمتقاعدين دون حجة ولا دليل، فقط من أجل تزجية الوقت، بالله عليكم تأملوا انشغال الناس بالناس، هذا ينتقد المعلمين، وذاك ينتقد المثقفين، وتلك تنتقد الرجال، وذاك ينتقد النساء، وهذا يلوم المطلقين، وآخر يهاجم الأكاديميين، وهؤلاء يهجون الأغنياء، وأولئك يحتقرون الفقراء، وهذا يتفه الشباب وتلك تلوم العاطلين، ومعظم الحديث بلا مسوغات ولا مبررات، وإيغار للصدور بلا فائدة ولا ثمار». أخذ مصلح مفتاح الحافلة ونزل وجلس في ظلها، فطالبنا الزميلين بالاعتذار منه، لكنهما رفضا، وقال منصور: «النقد والمكاشفة حاجة أساسية للمجتمع، ولولا نقد الفئات لبعضها لما تغيرت السلوكات ولما تحسنت علاقة الفئات، وأنا مصر على موقفي ولن أعتذر عن كلامي» وأردف كلامه بالقسم، ثم نزل إلى مصلح ليأخذ مفتاح الحافلة، ونزل معه حليفه، وخشينا أن يتعاركوا، لكن مصلح تراجع إلى الخلف، فأخذا يسيران خلفه، نرى إيماءاتهم ولا نسمع ما يقولون.
ابتعدوا عنا، ثم هجما على مصلح لافتكاك المفتاح، لكنه راغ منهما كما يروغ الأرنب، وجرى بأقصى سرعة نحو الحافلة، ففتح باب السائق ودفعه إلى المقعد الآخر، أدركا أنه سيهرب بالحافلة، فأسرعا للحاق به، لكنه حرك الحافلة بسرعة وهرب بنا بعيدا عنهما، ونحن نصيح به أن يتوقف، وهو يقسم ألا يركبا، ويقول: سأعلمهما تحسن علاقة الفئات ببعضها!
ahmad_helali@
في الصباح الباكر ركبنا الحافلة، وتجاذبنا أطراف الحديث، فقال مرزوق: «يا أخي لم تر عيني مثل المتقاعدين، من كثرة الفراغ زاحمونا في الاستراحات وفي مواقع التواصل الاجتماعي»، فقال آخر: «صدقت، المتقاعد لفظه عمله، ونبذته حتى أسرته، وأصبح وبالا علينا»، كان مصلح منهمكا في مراجعة الطلبات، وكنت أحادثه وأرفع صوتي كيلا يسمع حديثهما، وبعد أن تأكد من كل شيء قام من مكانه وجلس جوار المتحدثين، وقال:
«ماذا فعل لكما المتقاعدون؟ وما ذنبهم إن انخرطوا في الأنشطة المختلفة؟ ومن أنتم حتى تقسموا الناس فئات بحسب وظائفهم أو شهاداتهم أو حالاتهم الاجتماعية؟ يجب أن تخجلوا من أنفسكم».
صمت الجميع، لكن مصلح ما يزال مشتعلا، وطلب من سائق الحافلة التوقف، وقرر أن يغادر المنتقدان الحافلة، فرفضا، فطلبنا من مصلح الهدوء فالأمر لا يستحق، لكنه رفض كل محاولاتنا وأقسم أن ينزلا أو تعود الحافلة إلى الاستراحة، فقال أبو مانع: «مصلح على حق، هذه الأيام تتعالى موجة نقد الفئات لبعضها، وليته نقد موضوعي، لكنه لا يعدو الحديث النفسي بما يجده المنتقدون تجاه بعضهم، مثل نقد الزميلين للمتقاعدين دون حجة ولا دليل، فقط من أجل تزجية الوقت، بالله عليكم تأملوا انشغال الناس بالناس، هذا ينتقد المعلمين، وذاك ينتقد المثقفين، وتلك تنتقد الرجال، وذاك ينتقد النساء، وهذا يلوم المطلقين، وآخر يهاجم الأكاديميين، وهؤلاء يهجون الأغنياء، وأولئك يحتقرون الفقراء، وهذا يتفه الشباب وتلك تلوم العاطلين، ومعظم الحديث بلا مسوغات ولا مبررات، وإيغار للصدور بلا فائدة ولا ثمار». أخذ مصلح مفتاح الحافلة ونزل وجلس في ظلها، فطالبنا الزميلين بالاعتذار منه، لكنهما رفضا، وقال منصور: «النقد والمكاشفة حاجة أساسية للمجتمع، ولولا نقد الفئات لبعضها لما تغيرت السلوكات ولما تحسنت علاقة الفئات، وأنا مصر على موقفي ولن أعتذر عن كلامي» وأردف كلامه بالقسم، ثم نزل إلى مصلح ليأخذ مفتاح الحافلة، ونزل معه حليفه، وخشينا أن يتعاركوا، لكن مصلح تراجع إلى الخلف، فأخذا يسيران خلفه، نرى إيماءاتهم ولا نسمع ما يقولون.
ابتعدوا عنا، ثم هجما على مصلح لافتكاك المفتاح، لكنه راغ منهما كما يروغ الأرنب، وجرى بأقصى سرعة نحو الحافلة، ففتح باب السائق ودفعه إلى المقعد الآخر، أدركا أنه سيهرب بالحافلة، فأسرعا للحاق به، لكنه حرك الحافلة بسرعة وهرب بنا بعيدا عنهما، ونحن نصيح به أن يتوقف، وهو يقسم ألا يركبا، ويقول: سأعلمهما تحسن علاقة الفئات ببعضها!
ahmad_helali@