عبدالحليم البراك

أمراضنا النفسية!

الاثنين - 06 ديسمبر 2021

Mon - 06 Dec 2021

تظهر أمراضنا الجسدية من خلال أعداد البشر في المستشفيات، حتى إنك إن كنت في المستشفى تشعر أن كل الناس مرضى من كثرتهم، وتتفاوت أمراضنا الجسدية، ما بين جسيمة ملاحظة للعيان، وأخرى وكأن من أمامك صحيح معافى لكنه يعاني من أنه لا يرى، أو لا يسمع أو أن في معدته ما يؤذيه، وبين آخر - أيضا - متوهم.

لا جديد في هذا الأمر، لكن الجديد، هل تختلف أمراضنا الجسدية عن أمراضنا النفسية من ناحية أعدادها؟

أو لأننا ننكر أمراضنا النفسية لا نشعر بها، حتى تتأزم الأمور فيضطر الإنسان اضطرارا أن يذهب للمستشفى النفسي بعد أن تتأزم أموره، والمؤكد؛ كم من مريض نفسي أرهقته الدنيا يمشي بيننا ونشعر بأنه صحيح معافى حتى نخالطه فنتعرف على مرضه وتعبه وإرهاقه، وربما نحتاج لمعاملة أكثر من المخالطة حتى نشعر بمرضه النفسي، أو ننتظر إيذاءه لنا حتى نوقن بأنه مريض متعب دفعه المرض ولم يدفعه سلوك مشين؟!

لماذا عدد مستشفيات الجسد بالعشرات وربما بالمئات بينما مستشفيات النفس بالآحاد، وكأننا أصحاء لا أمراض فينا، بينما أرواحنا مرهقة من تنمر هذا، وإيذاء ذاك، ومن خيبات وإخفاقات وتعثر في أحلامنا وآمالنا ومن قسوة الدنيا علينا؟!

لماذا نعامل من حولنا بأنهم أصحاء حتى أصبح التنمر، وهو سلوك مرضي يكاد يكون أصلا في المجتمع. حتى إن الشاعر العربي عبر عنه بوضوح فاضح للناس وللإنسان: «والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم» فجعل الأصل الظلم؛ والعفة والرحمة لعلة فيه، من كثرة ما يجد في الناس من تنمر وإيذاء لا يوجد في حيوان قط.

المرض الجسدي يتفاقم بالتأكيد مع الإهمال ويزداد، بل قد ينتقل بالعدوى في بعض الأنواع، الأمراض النفسية في دواخلنا، والمحيطة بينا تتكاثر هي الأخرى بكل تأكيد مع إهمال العلاج، وليس إهمالا فحسب بل إنكار وعدم استبصار، وأكثر من هذا؛ اعتبارها سلوكا طبيعيا حتى غدا السليم مريضا في مجتمع المرضى، والمريض سليما في مجتمع المرضى، فتقابل من تقابل وهو يحمل وجها لطيفا وثوبا أنيقا وقلبا مريضا مرهقا فتختلط عليك الصحة بالمرض؛ حتى يقع الفأس على الرأس، بل ويقع الفأس على الرأس حتى يصيبك ويفلج رأسك وأنت لا تعرف من المرض إلا اسمه، ولم تلحظ ذلك لأنك فهمت ما عمله فيك كأنه أصل في سلوك الإنسان.

من حولك -وأنت ربما كذلك- مريض مرهق مجهد تعاني، فربما علينا أن نفهم أنفسنا، ونفهم غيرنا، ولا أجمل من التفهم لتلك الحالة بحكمة الصبر والصمت والتأمل والاستبصار والتأني لعل الله يقيض علماء نفس واجتماع وإنسان يولون هذه النفس المرهقة مزيدا من البحث في سبيل علاجها، فقد عالج الإنسان كل شيء إلا نفسه وكشف أسرار العلوم حوله إلا أسرار روحه، ووصل الفضاء لكن لم يصل لداخل الإنسان بصدق، لولا محاولات بسيطة لا تذكر مهما توسع علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الإنسان في العلوم، فإن التقدم فيها بسيط ولا يقارن بالتقدم في الطب الجسدي أو في التقنية أو في العلوم الأخرى.

والمرض النفسي ليس عيبا فالناس لا ترى عيبا في الإفصاح عن مرضها الجسدي، فلماذا أصبح المرض النفسي عيبا، بينما العيب كل العيب في إنكاره أو عدم استبصاره، وربما النكوص عن علاجه عند استبصاره لأنك تريد أن تمشي مع التيار المنكر وغير المستبصر بدعوى سلامتك من كل الأمراض النفسية.

Halemalbaarrak@