عبدالله الأعرج

فن فتح الأبواب!

الأحد - 05 ديسمبر 2021

Sun - 05 Dec 2021

لو كنت بغرفة لا يوجد بها سوى باب مغلق فإنك لن تغادرها إلا بفتح ذلك الباب، وهكذا هي الحياة غرف مغلقة تفتحها الإرادات الصلبة والعزائم القوية والهمم التي لا تعترف بالانهزام مطلقا.

الكاتبة الشهيرة لقصة الساحر هاري بوتر J. K. Rowling التي تقدر علامة منتجها التجارية بحوالي 15 مليار دولار أمريكي أغلق الباب في وجهها بعد أن رُفِضت قصة هاري بوتر من اثنتي عشرة دار نشر إلى الحد الذي وصلت فيه إلى العيش على المعونات الحكومية والضمان الاجتماعي كامرأة مفلسة ومطلقة، وما زال الباب يوصد بوجهها إلى الحد الذي سمعت فيه أحد المشفقين يقول لها «قصص الأطفال لا تجلب المال!

هل تفهمين هذا؟» وما زالت تجذب الباب وتدفعه وتدير المفتاح يمنة ويسرة بعظيم إرادتها حتى قبلت إحدى دور النشر تلك القصة ففتحت لها أبواب السعادة وناطحت الكبار!

ومثل السيدة Rowling كثير من السيدات والسادة الذين أوصدت في وجوههم الأبواب عمدا أو سهوا أو حظا فما زادهم ذلك إلا عزيمة كي يفتحوها، ولم يمنحهم ذلك الإحباط إلا إصرارا أن غدا سيكون أفضل من اليوم، وأن محن اليوم ستكون منح الغد، فقوانين الحياة الكبرى تضع الأمور دوما في نصابها الصحيح مهما بدأت الأمور متناقضة ومتباعدة ومتفرقة ومختلفة!

وحين تأملت نفسي، ازددت يقينا أن الإصرار يصنع المستحيلات، فقد أغلقت كثير من الأبواب في وجهي وأنا -كغيري- شاب غض أشق درب الحياة الأرحب بحثا عن مستقبل يوازي ما اعتمر داخلي من طموح كبير كنت أرى فيه شوقا لا يعادله شوق وشقاء، لا يغلبه شقاء! ولطالما كنت أرى رأي العين سلاسل الإحباط تلتف حول قدمي وأغلال الخيبة تكبل يدي، وكم كنت أصارع جدلية المضي أو التوقف فكانت الأولى خياري الذي اتسق مع طبعي حتى فُتِحت -بفضل الله- تلك الأبواب، وتحقق بمنته ما لم يكن في الحسبان!

قال لي أحد مغلقي الأبواب وأنا في مستهل حياتي العملية حينما ضاق عليه الخناق في موقف نقاش منطقي جدا «أنت تتكلم بكلام أكبر من حجمك»، ولم أكن أعلم ما هو مقياس الحجم لديه آنذاك، فسألته مستفهما عن ما يقصده فكان رده «أنت تتكلم مع دكتور يا أستاذ!»

فحلفت بالله ساعتها ألا يمنعني عن الدكتوراه إلا الموت! ومن حينها وأنا مدين له بالفضل أن صنع لي من ذلك القفل الغليظ مفتاحا نحيلا رشيقا فتحت به باب كبريائه وغروره آنذاك، فانطلقت إلى عالم الحرية الساحر الذي كنت لا أرى منه حينها سوى ما يتسلل من ثقب المفتاح في ذلك الباب الموصد!

وهكذا هم مغلقو الأبواب يضعونك في تحد قاس مع نفسك! فإما أن تنهزم مباشرة فيتحقق لهم المراد أو أن تستخرج أجمل ما في نفسك من معان سامية كالثقة بالله والصبر والمثابرة والإرادة الصلبة وحسن التدبير وانتقاء أفضل الخيارات والتخطيط السليم واقتناص الفرص والنظر إلى المكاسب السريعة والبعيدة وغيرها، والتي تأتي جميعا كمفاتيح تفتح أبواب المثبطين والحاقدين قسرا فتكون حينها مفاتيح ذهبية تشبه ما قاله محمد محمود الزبيري:

هنا البراكين هبت من مضاجعها

تطغى وتكتسح الطاغي وتلتهم

إن القيود التي كانت على قدمي

صارت سهاما من السجان تنتقم

ويا لجمالك وأنت تصارع كل الانفعالات داخل صدرك الصغير حجما الكبير عزما في رحلة فتح الأبواب الموصدة! كم ستكون رائعا أمام نفسك وأمام الآخرين وأنت تسترجع جدك وجهدك في ليالي الصيف والشتاء العابسة! كم ستكون مبهرا وأنت ترى موصدي الأبواب يفتحون لك بذات الأيدي تلك الأبواب!

كم ستكون فخورا وأنت تسامر أولادك وبناتك وتتلو عليهم قصص كفاحك ونجاحك ومعاركك الظافرة ضد أعداء الحياة! لا يمكن لي وصف كل ذلك إلا بما قاله محمود درويش: «سأمدح هذا الصباح الجديد.. سأنسى الليالي كل الليالي وأمشي إلى وردة الجار أخطف منها طريقتها في الفرح».

تعلموا فن فتح الأبواب! واعلموا أن النجار حينما صنع الباب كان معه حداد يصنع له المفتاح! وتذكروا أن الباب يزداد إغلاقا كلما ضعف إصرارك على فتحه وما يزال ينزاح قليلا فقليلا كلما علت همتك واشتد عزمك! وتذكروا أن الحياة ليست دوما واديا أخضر تتفجر منه الأنهار! وأنه كما يوجد للخير محبون فإن له كارهين! وهنا تلمع الدعوة المباركة «اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.. إنك على كل شيء قدير».

dralaaraj@