عبدالحليم البراك

كيف تكبر وتغير رأيك؟!

الاثنين - 29 نوفمبر 2021

Mon - 29 Nov 2021

مطلقا، لا يعتبر الثبات على أفكارك السابقة ميزة، وليست أيضا من خصالك الطيبة أن يقول لك أحدهم أنت ثابت على أفكارك لم تتغير، ولو قال لك نفس الرجل: أنت على نفس فكرك القديم، لشعرت بالغضب، فتغيرت اللغة وتغير الموقف، لكن المعنى واحد!

ليس عيبا أن تغير أفكارك حتى ولو هرمت، ومادام جسدك ينمو، فعقلك ينمو أيضا، وليس العبرة بالتغيير أو الثبات، بل العبرة بنوعية التغيير هل هو إيجابي أو سلبي، والعبرة أيضا بك، هل أنت تتقدم للأمام أو تتقدم للخلف، هل أنت تتدهور نحو الأمام أو تبدو أكثر ذكاء وحكمة كلما كبرت.

نعم نكبر، وننظر للأفكار الجديدة بريبة الكبار، ولا نراها بانفتاح الشباب، وهذا عيب آخر فينا، فكل فكرة جديدة ليست شرا محضا، وليست خيرا محضا، وعقولنا وتفكيرنا وانفتاحنا للتغيير هو التقييم الحقيقي لها، فالعبرة بمحتوى الأفكار وليس بحداثتها، والعبرة بنتائجها وليس كيف تبدو من أول وهلة، وليس من مهامك كلما كبرت كلما عارضت، وكلما زادت شعرات شعرك الرمادية كلما صرت معارضا للجديد أكثر، بل العبرة بحكمة الشيوخ التي يجب أن تستقر في رأسك وهي: إن من مهام الكبار منح الصغار الحكمة بالنظرة الكلية، وأبعاد غير مرئية للأحداث، ومن مهامها أيضا إطلاق المارد الصغير في الصغار فنشاطهم مكسب، وأرواحهم المتألقة وحيويتهم انتصارات للمجتمع، فلا تقف في وجه هذا الطوفان فيتجاوزك، بل اذهب معه بعد أن تسهم في تصحيح مساره!

تشبب في الأفكار الجديدة، وكل ما عليك هو تكييفها بما لا يخرق استقرارك وقواعد المجتمع، فليست كل فكرة جديدة هي هدم للمجتمع، بدليل أن أجدادك قالوا لآبائك نفس هذا الكلام، فعاشوا ولم يهدم شيء، وآباؤنا قالوا قريبا من هذا الكلام عنا فلم يحدث ما حذروا منه، ونقول لأبنائنا؛ ما قاله الأجداد والآباء، لكن ستسير القافلة بنا أو بغيرنا.

وهي روح الشراكة القائمة على كل شيء في الحياة، وأحدها خبرة الكبار وعقلانيتهم ونشاط الشباب وحيويتهم، وتفهم الكبار لأدوارهم وضرورة تقبل التغيير واعتباره حتميا وليس خيارا، وإنما الخيار في توجيه التغيير التوجيه الصحيح هو الحل، وعلى الشباب ألا يؤمن بالتغيير الذي هو القوة فحسب، بل ثمة تراكم خبرات إن استغنيت عندها ستدفع ثمن قلة الخبرة غاليا.

والمثال على ذلك التكنولوجيا، فقبولها مطلقا عيب محض، ورفضها عيب آخر والحل هو قبولها والمسايرة معها واعتبارها أمرا حتميا، لكن تحتاج توجيهها التوجيه الصحيح!

وأخيرا على الشباب أن يكون على وعي كبير بأهمية الحكمة في عقول الكبار، فإن خبرة السنوات التي جمعوها مكسب لا يمكن تعويضه بمال الدنيا، (الحقيقة يمكن تعويضها بعد خسارة الوقت والمال والجهد، ويصبح الشاب عجوزا حتى يكون قد استفاد من خبراته) وثق أنك إن ألغيت الكبار وخبراتهم المتراكمة الذكية الناشطة والفاعلة ورسخت مفهوم السيطرة للشباب فحسب، فإن هذا المفهوم سينقلب عليك حتما في سنوات قليلة عندما تصبح كبيرا ويصبح أبناؤك أسياد المشهد ويجهزون عليك بالمبدأ الذي سرت عليه وهو تجاهل الكبار وخبراتهم، وبهذه الطريقة لن يكون الكبار عبئا علينا بل هم جزء منا يفوزون بالخبرة ويفوز الشباب بالقوة والنشاط والتغيير!

ويختم الحديث بمقولة الإمام الغزالي: الناس عبيد ما يعرفون، أعداء ما يجهلون، فلا تكن معرفتك عبودية، ولا جهلك عداوة!

Halemalbaarrak@