شاهر النهاري

صورتان تنتظران التحميض والإظهار بالوعي العربي

الاثنين - 29 نوفمبر 2021

Mon - 29 Nov 2021

ارتصت شعوب عربية كثيرة محتجة متذمرة من أحوالها الداخلية والاقتصادية والحقوقية قبل ربيع أوباما العربي، لتلتقط صورة تاريخية لها بيقين بلوغها أسوأ قيعان التردي.

صورة بالأبعاد الثلاثية لتلك المرحلة، لا بد أن نحمضها في معامل وعينا، ونظهرها لنتمكن من مقارنتها مع الصورة المهشمة المغبشة المرعبة، التي يعيشها بعض العرب في لحظتهم الحالية، والفارق سحيق جدا بين الصورتين، من نواحي الثقة ووجود الأمن والسلام ورضا الشعوب، والقدرة العسكرية والتنموية، ومدى الترابط، والقيمة العربية، التي فقدنا أغلبها منذ التقاط الصورة الأولى، وحتى إذعاننا للصورة الحالية، والتي تسر الأعداء، وترعب حتى من هربوا هجرة من زواياها خوفا من فوضى أوباما، التي حكم بها على بعض شعوبنا وأوطاننا العربية بتأصيل الإرهاب والفتن بيننا، وجعل أعداءنا تركيا وإيران وإسرائيل يمسكون بالمفاتيح والزوايا، ويرعبون شعوبنا، ويزرعون بيننا الشك والحقد، ويستبيحون حدودنا، ونحن نبدع بتقمص أدوارنا الخرافية فوق خشبات مسرح درامي مضحك مبك عبثي، بعيد كل البعد عن إرادة تأصيل حضارة عربية وتمكن وتقدم علمي صناعي تقني اقتصادي، باعتمادنا على العقل واليد العربية بالكامل، ورعاية مواردنا، والوقوف صفا عربيا موحدا بوجه الغزاة جميعهم، وكبح طموح كل عميل خائن بيننا يسعى لتضعيف الحكومات، ونشر الخراب والدمار بين الشعوب، وبيع الحدود والموانئ، وتبديد ثروات الأوطان، بوهم نجاح مؤقت، لن يلبث أن يزيدنا ترديا.

ما حدث خلال العشر سنوات الماضية كان عظيما جدا، حين العودة لتفاصيل احتراق تونس، وخطف مصر، وتفجير سوريا وذبح ليبيا واليمن والسودان، وما تبعها من تثبيت للعشوائية في أمن العراق والخليج والأردن، وخلخلة دول شمال أفريقيا، وموريتانيا، والصومال وأثيوبيا، والحبل على الجرار.

الصورتان ناطقتان لو فحصناهما بروية الوعي، والتمعن والمقارنة والتفهم، لمجريات ما حدث بينهما، بيقين أن الخطة الأوبامية الفوضوية لم تتوقف في يوم من الأيام، وأن مراحلها وإن بدت لنا بطيئة، إلا أنها كانت فاعلة في تشكيل وجه الشرق الأوسط المشتت الضعيف، الذي بشر به أوباما، وما زال يرعى خطواته وتطوراته من خلال حكومة واشنطن، لأن الخطة، لم تكن فردية، ولا صدفة، ولكنها خطة نظام عالمي عميق الأهداف راسخة، بدأ بالفوضوية الخلاقة، وأكمل أحداثها مؤخرا بنكش عش الدبابير الأفغاني، شريك الشرق في بؤس المصير، حتى أنه لم يعد بين دولنا من هو بعيد عن الهلاك والجوع، وعنجهية السلطات الظالمة، والجنون والفتنة الدينية والمذهبية، والعنصرية، والتفتت.

وبشاعة الصورة الحالية تتضح أكثر بسطوة الميليشيات المسلحة، وتهتك الحكومات كما في لبنان واليمن، وتعظيم البراح والسراح لقوى إسرائيل، التي عرفت كيف تمهد لوجودها وسط غمام الفوضى، فتغدو العروة الوثقى لبعض دولنا، المستجيرة من الرمضاء بالنار.

لا تدري من تلوم، فعلاقاتنا العربية أصبحت ركيكة سريعة التقلب بين منتهى المحبة والعداء، مع تلاشي قيمة جامعة الدول العربية بين الصورتين.

صحوة لا تحدث، وخراب الشرق الأوسط الأوبامي ماثل بيننا اليوم، وليس لنا إلا التحسر والنحيب على جميل ما ضيعناه قبل الصورتين.

وكم من أصوات عاقلة مخلصة تظل تنادي وتستحث العرب على استعادة الوعي وجمع الكلمة، وترك الخيانات والنظرات الأحادية الحالمة بالنجاة من آتون الفوضى، لأن تركيا وإيران ما تزالان مطلقتي الأيدي، وعطف إسرائيل لن يمكننا من نيل ما لم نحصل عليه بأيدينا المشلولة الفاقدة لقوتها وجمعتها ومحبتها.

shaheralnahari@