علي المطوع

كورونا.. الفوضى الخلاقة!

الأحد - 21 نوفمبر 2021

Sun - 21 Nov 2021

لأكثر من سبعة عقود كانت القضية الفلسطينية هي محور الصراع في الشرق الأوسط، وكانت إسرائيل هي العدو الأول الذي يجمع العرب على بغضه وعداوته، هكذا كان يفكر المواطن العربي ومن ورائه كل الحكومات والأنظمة العربية التي حشدت آنذاك كل طاقاتها وإمكاناتها لرفض إسرائيل ككيان غاصب ومعتد على الأراضي العربية والمقدسات الإسلامية.

بعد حرب أكتوبر، كسر الرئيس الراحل أنور السادات قواعد اللعبة وحط رحاله في الكنيست الإسرائيلي كأول مسؤول عربي في العلن يخطب ود إسرائيل، لم يتمكن العرب في ذلك الوقت شعوبا وحكومات من استيعاب خطوة السادات ومدى خطورتها ومعرفة أبعادها السياسية على مصر والمنطقة، بعدها جاءت كامب ديفيد معلنة إزاحة أكبر دولة عربية عن مشهد الصراع الدامي مع إسرائيل، كانت هذه المعاهدة بمثابة الإسفين الذي ضرب العلاقات العربية العربية وما زالت تلك النتيجة هي اللحظة الفارقة التي شكلت ما بعدها، وهذا يثبت أن العالم كان يتغير بسرعة وبطريقة توحي بأن القوى الكبرى كان لديها دائما سيناريوهات تغيير معدة مسبقا ومعدلة حسب الحاجة وما تقتضيه ظروفها ومتغيراتها.

في بداية الألفية الثالثة ضربت الرأسمالية في عقر دارها وتحديدا برجي التجارة، ضربة غير متوقعة وغير دارجة في مخيال الشيطان، إلا أنها حصلت وترتبت عليها حروب صليبية جديدة تحولت إلى حرب على الإرهاب وفق قاعدة من لم يكن معنا فهو ضدنا، وهنا بدأت لحظة فارقة جديدة؛ فاحتلت أفغانستان وبعدها تم غزو العراق وتدميره وتسليمه إلى إيران في مشهد مأساوي لم يكن يخطر على بال أحد!

بعدها وتحديدا في عام 2005 أطلقت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك كونداليزا رايس مصطلح الفوضى الخلاقة وأرادته تحديدا للمنطقة العربية، لتشكيل ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد، وهو ما حصل بالفعل، فبعد حشد إعلامي غير مسبوق تبنته قناة الجزيرة العربية، بدأت شرارة الفوضى في تونس ثم وصلت إلى مصر ومنها إلى ليبيا وبعدها إلى اليمن لتستقر في سوريا حربا أهلية تجاوزت العشر سنين وما زالت مستمرة، كل ذلك في تسلسل عبثي محكم ومذهل وغير مصدق.

ثم جاءت «كورونا» ذلك الوباء الذي عزل العالم عن بعضه وأعاد تدشين مفاهيم الوحدة والقطيعة بين الناس والدول، كأسلوب حياة وخارطة نجاة، صاحب ذلك حالات من الهلع والخوف، البعض من الغربيين كان يراها غير مبررة، بل وصل الأمر إلى رفضها وعدم الالتزام بها، وهنا بدأت المشاكل الاقتصادية وبدأت الدول ترزح تحت وطأة غلاء كبير وتضخم أكبر على مستوى الأرقام، أثقل كاهل الإنسان البسيط، ولم تستطع بعض الدول المتقدمة والراسخة فهما وتجربة في التعامل مع الأزمات، لم تستطع أن تتجاوز هذه المحنة وما زالت اقتصادياتها تترنح صعودا وهبوطا تحت تأثير هذا الوباء الذي انطلق من الصين وزحف باتجاه العالم كموجة وباء لم يسبق لها مثيل!

ماذا بقي أيها السادة من أحداث، وماذا سينتظرنا من مشاكل في هذا العالم الصغير الذي يرزح تحت مشاكل سياسية واقتصادية تظهر هنا وهناك؟

الشرق الأوسط ودول تعيش في دوامة خوف وقلق شديدين، والعالم بكل اختلافه واختلافاته يبدو أنه متفق على أن لا يتفق أهل هذه المنطقة، والحروب تستنزف مقدرات بلدان هذا المكان، وإيران ما زالت تمثل أيقونة إزعاج للمنطقة من خلال تدخلاتها في كثير من البلدان العربية، والعالم الغربي يلعب معها سياسة العصا والجزرة، والمفارقة أن العرب يبدو أنهم هم الجزرة التي يشير بها الغرب لإيران عند أي محاولة تقارب معها، إنه زمن غريب وعجيب كل مؤشراته تشير لخطر كبير قد يعيد رسم خارطة العالم من جديد.

في الختام علينا أن نتذكر أن مصطلح الفوضى الخلاقة وإن ظهر بشكل معلن في الألفية الثالثة، إلا أنه كان وما زال القاعدة التي يتكئ عليها العالم للتغيير والتنفذ والسيطرة، فقبل الحرب العالمية الأولى كانت هناك إمبراطوريات تحكم وتتحكم، كالنمسا والمجر والدولة العثمانية، وبعد الحرب تم تقاسم مناطق نفوذ هاتين الإمبراطوريتين، صاحب ذلك ثورة بلشفية في روسيا كتبت نهاية التاريخ لإمبراطورية كانت تعد ثاني إمبراطورية من حيث الامتداد الجغرافي، كل ذلك وطدت له أحداث الحرب العالمية الأولى ونتائجها التي أعادت تشكيل العالم آنذاك وفق نظام عالمي جديد، تغير سريعا بحلول موعد فوضى جديدة، وقد كان ذلك من خلال الحرب العالمية الثانية التي أفرزت نظاما عالميا جديدا بقطبين رئيسيين، ما لبث أحدهما أن سقط والآخر ما زال يستأثر بالعالم ويشكله وفق ما تقتضيه مصالحه وتطلعاته البعيدة.

ويبقى السؤال الأخير في هذه المساحة الضيقة، إذا اعتبرت كورونا أسلوبا جديدا من أساليب الفوضى الخلاقة التي تعد وتعيد ترتيب العالم وتشكله وفق ما يراد له وما يريده الكبار فيه، فما هو الترتيب القادم الجديد الذي سيغير العالم وخاصة شرقنا الأوسط القديم؟

alaseery2@