نزع الفرقاء السياسيون في السودان فتيل الأزمة قبل انفجارها، وقبل الطرفان باتفاق سياسي يمهد لعودة الهدوء والاستقرار، ويوقف الصدام الذي شهده الشارع على مدار الأيام الماضية.
ووقع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك أمس، اتفاقا سياسيا يتضمن إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ويعيد حمدوك لمنصبه، ونص الاتفاق على العمل على بناء جيش موحد، وأن يكون «مجلس السيادة
هو المشرف على الفترة الانتقالية.. دون التدخل المباشرة في العمل التنفيذي».
كما تضمن إعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام عمر البشير مع مراجعة أدائها، إلى جانب التأكيد على أن الوثيقة الدستورية لعام 2019 وتعديلها 2020 هي المرجعية الأساسية لاستكمال الفترة الانتقالية.
استكمال المسار
وتعهد رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان بالعمل على استكمال المسار، وصولا لانتخابات حرة نزيهة. وقال في كلمة، بعد توقيع الاتفاق السياسي مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، إن «التوقيع على الاتفاق يضع الأسس الصحيحة للفترة الانتقالية»، وشدد على أن الجيش لا يريد إقصاء أي جهة في السودان. وأضاف :» نعلم حجم التنازلات التي قدمتها كل الأطراف لحقن الدماء».
فيما أكد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك أنه وقع على الاتفاق السياسي لحقن دماء الشعب وتوفير طاقات الشباب للبناء والتعمير، وقال إن الاتفاق يهدف إلى استعادة مسار المرحلة الانتقالية لتحقيق الديمقراطية، فضلا عن الحفاظ على مكتسبات العامين الماضيين في كل من السلام والاقتصاد.
وتقدم بالشكر لكل من شارك في جهود الوساطة خلال الفترة الماضية.
الأربعاء الدامي
وتعقد المشهد في الأيام الماضية قبل أن يتمخض الاتفاق، وعقدت احتجاجات الأربعاء الدامي الأمور، حيث سقط 15 قتيلا وأصيب العشرات، حسبما ذكرت لجنة أطباء السودان المركزية، في أكثر الأيام عنفا منذ قرارات البرهان بحل الحكومة ومجلس السيادة الانتقالي في أكتوبر الماضي. وذكرت اللجنة أن عدد المتظاهرين الذين قتلوا على يد قوات الأمن خلال المظاهرات منذ أواخر أكتوبر بلغ 40 شخصا.
حرق مقرات
وعلى الرغم من تأكيد الشرطة السودانية أن القوات الأمنية تعرضت لعنف «غير مبرر» خلال الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ 25 أكتوبر، وأن بعض التظاهرات «لم تكن سلمية وتخللتها اعتداءات على قوات الأمن» يرى مراقبون أن هوة الخلاف والشحن تجاه كل ما هو عسكري في السودان تتصاعد يوما بعد يوم، مما زاد المخاوف من موجات أخرى أكثر عنفا في ظل حشد بعض القوى الثورية والتيارات السياسية من أجل التصعيد وإصرارها على تحقيق مطالبها كاملة. وخرجت أحدث دعوات التظاهر أمس الأول، حيث حشد نشطاء لمسيرة ضخمة أطلقوا عليها «مليونية 21 نوفمبر»، واتهمت الشرطة السودانية متظاهرين بحرق أحد مقارها في مدينة الخرطوم بحري، إحدى مدن العاصمة الثلاث، لكن نشطاء نفوا صحة رواية الشرطة ووصفوا ما حدث بأنه «مسرحية». وقال المتحدث باسم قوات الشرطة إدريس عبدالله ليمان «تعرض قطاع ارتكازات قوات الشرطة بمنطقة المؤسسة بمدينة الخرطوم بحري اليوم لاعتداء من المتظاهرين وحرقه بالكامل». وأوضح أن المقر لا يضم حراسات ويقدم خدماته الأمنية للمواطنين عبر خدمة الاتصال الهاتفي، لكن المتظاهرين هجموا عليه وأحرقوه بالكامل، وتعرض لأذى جسيم رغم أن سيارة الدورية كانت في مهمة خارجية».
ضغوط دولية
وبعد أن أعلنت الخارجية الأمريكية، تجميد مساعدات بقيمة 700 مليون مقدمة «للدعم الطارئ للاقتصاد السوداني»، ورفعت الولايات المتحدة العقوبات التجارية المفروضة على السودان في عام 2017، زادت الضغوط الدولية.
وبعد وصول حكومة جديدة للسلطة، أعلن صندوق النقد الدولي، في يوليو الماضي، إعفاء السودان من متأخرات بقيمة حوالي 1.4 مليار دولار، وهو ما مهد الطريق للمرحلة الأولى من تخفيف أعباء الديون في إطار مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، وقال الصندوق «إن هذه الخطوة تتيح شطب أكثر من 50 مليار دولار، تمثل أكثر من 90 % من إجمالي الدين الخارجي للسودان».
عودة حمدوك
ويظل المطلب الأبرز للقوى المدنية وأنصارها هو عودة رئيس الوزراء المقال عبدالله حمدوك إلى منصبه وإسناد قيادة البلاد للمكون المدني استكمالا للفترة الانتقالية التي يشهدها السودان منذ 21 أغسطس 2019، والتي كان يفترض أن تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام العام الماضي.
وتضغط العديد من الدول والمنظمات على الجيش السوداني من أجل العدول عن القرارات وإعادة الأمور إلى ما قبل 25 أكتوبر، إلا أن هذه المساعي لم تجد صدى فيما يبدو حتى الآن لدى العسكريين، فالبرهان عين مجلسا سياديا جديدا مؤلفا من 13 عضوا برئاسته واحتفظ محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، بمنصب نائب رئيس المجلس السيادي.
ويضم هذا المجلس تسعة كانوا أعضاء في المجلس السابق، بينهم خمسة من كبار ضباط الجيش، وأربعة أعضاء جدد حلوا محل أعضاء المجلس السابق المنتمين إلى قوى الحرية والتغيير، وبقي في المجلس قادة الجبهة الثورية وهم مالك عقار والطاهر حجر والهادي إدريس، بينما حظت المرأة بمقعدين من أصل خمسة مقاعد مدنية في المجلس الجديد، وتم تأجيل تسمية ممثل شرق السودان في المجلس الجديد إلى حين إجراء «مزيد من المشاورات»، وأدى أعضاء المجلس القسم أمام البرهان ورئيس القضاء فتح الرحمن عابدين.
نداءات العصيان
ومع التطور الجديد، رأى البعض أن السودان فقد بوصلة العبور إلى منطقة الانتقال الديمقراطي وأن للجيش مطامع في السلطة، وتعالت النداءات للعصيان المدني ورفض قرارات البرهان حتى عودة الحكومة المدنية.
ويقول موقع أفريكا إنتيلجانس «إن البرهان عزز قبضته على السلطة بتعيين مجلس السيادة الجديد وتخلص من المكون المدني الذي بات «مرهقا»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن تعيين رئيس وزراء جديد يظل صداعا وأن عبدالله حمدوك ليس خارج اللعبة تماما».
وما بين انفراد الجيش بالسلطة وغليان المحتجين في الشارع، أثارت الأحداث الأخيرة تساؤلات كثيرة بشأن مستقبل السودان الذي رزح تحت نير الديون وتصنيف الدول الراعية للإرهاب كثيرا، وطرحت علامات استفهام بشأن عودة كانت وشيكة إلى المجتمع الدولي، مع
طريق كانت ممهدة لطلب الحصول على دعم اقتصادي من الولايات المتحدة والمؤسسات المالية الكبرى، فبعد إجراءات البرهان الاستثنائية، بات مصير علاقة السودان مع واشنطن والمؤسسات المالية تلك في موضع شك.
خسائر السودان في حال استمرار الأزمة
700 مليون دولار سنوية منحة تتلقاها الحكومة من أمريكا
1.4 مليار دولار متأخرات أعلن صندوق النقد الدولي أنه سيعفي البلد منها
50 مليار دولار ديون كانت في طريقها للتخلص منها
90 % من الدين الخارجي للسودان كان على وشك الشطب
ووقع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك أمس، اتفاقا سياسيا يتضمن إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ويعيد حمدوك لمنصبه، ونص الاتفاق على العمل على بناء جيش موحد، وأن يكون «مجلس السيادة
هو المشرف على الفترة الانتقالية.. دون التدخل المباشرة في العمل التنفيذي».
كما تضمن إعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام عمر البشير مع مراجعة أدائها، إلى جانب التأكيد على أن الوثيقة الدستورية لعام 2019 وتعديلها 2020 هي المرجعية الأساسية لاستكمال الفترة الانتقالية.
استكمال المسار
وتعهد رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان بالعمل على استكمال المسار، وصولا لانتخابات حرة نزيهة. وقال في كلمة، بعد توقيع الاتفاق السياسي مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، إن «التوقيع على الاتفاق يضع الأسس الصحيحة للفترة الانتقالية»، وشدد على أن الجيش لا يريد إقصاء أي جهة في السودان. وأضاف :» نعلم حجم التنازلات التي قدمتها كل الأطراف لحقن الدماء».
فيما أكد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك أنه وقع على الاتفاق السياسي لحقن دماء الشعب وتوفير طاقات الشباب للبناء والتعمير، وقال إن الاتفاق يهدف إلى استعادة مسار المرحلة الانتقالية لتحقيق الديمقراطية، فضلا عن الحفاظ على مكتسبات العامين الماضيين في كل من السلام والاقتصاد.
وتقدم بالشكر لكل من شارك في جهود الوساطة خلال الفترة الماضية.
الأربعاء الدامي
وتعقد المشهد في الأيام الماضية قبل أن يتمخض الاتفاق، وعقدت احتجاجات الأربعاء الدامي الأمور، حيث سقط 15 قتيلا وأصيب العشرات، حسبما ذكرت لجنة أطباء السودان المركزية، في أكثر الأيام عنفا منذ قرارات البرهان بحل الحكومة ومجلس السيادة الانتقالي في أكتوبر الماضي. وذكرت اللجنة أن عدد المتظاهرين الذين قتلوا على يد قوات الأمن خلال المظاهرات منذ أواخر أكتوبر بلغ 40 شخصا.
حرق مقرات
وعلى الرغم من تأكيد الشرطة السودانية أن القوات الأمنية تعرضت لعنف «غير مبرر» خلال الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ 25 أكتوبر، وأن بعض التظاهرات «لم تكن سلمية وتخللتها اعتداءات على قوات الأمن» يرى مراقبون أن هوة الخلاف والشحن تجاه كل ما هو عسكري في السودان تتصاعد يوما بعد يوم، مما زاد المخاوف من موجات أخرى أكثر عنفا في ظل حشد بعض القوى الثورية والتيارات السياسية من أجل التصعيد وإصرارها على تحقيق مطالبها كاملة. وخرجت أحدث دعوات التظاهر أمس الأول، حيث حشد نشطاء لمسيرة ضخمة أطلقوا عليها «مليونية 21 نوفمبر»، واتهمت الشرطة السودانية متظاهرين بحرق أحد مقارها في مدينة الخرطوم بحري، إحدى مدن العاصمة الثلاث، لكن نشطاء نفوا صحة رواية الشرطة ووصفوا ما حدث بأنه «مسرحية». وقال المتحدث باسم قوات الشرطة إدريس عبدالله ليمان «تعرض قطاع ارتكازات قوات الشرطة بمنطقة المؤسسة بمدينة الخرطوم بحري اليوم لاعتداء من المتظاهرين وحرقه بالكامل». وأوضح أن المقر لا يضم حراسات ويقدم خدماته الأمنية للمواطنين عبر خدمة الاتصال الهاتفي، لكن المتظاهرين هجموا عليه وأحرقوه بالكامل، وتعرض لأذى جسيم رغم أن سيارة الدورية كانت في مهمة خارجية».
ضغوط دولية
وبعد أن أعلنت الخارجية الأمريكية، تجميد مساعدات بقيمة 700 مليون مقدمة «للدعم الطارئ للاقتصاد السوداني»، ورفعت الولايات المتحدة العقوبات التجارية المفروضة على السودان في عام 2017، زادت الضغوط الدولية.
وبعد وصول حكومة جديدة للسلطة، أعلن صندوق النقد الدولي، في يوليو الماضي، إعفاء السودان من متأخرات بقيمة حوالي 1.4 مليار دولار، وهو ما مهد الطريق للمرحلة الأولى من تخفيف أعباء الديون في إطار مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون، وقال الصندوق «إن هذه الخطوة تتيح شطب أكثر من 50 مليار دولار، تمثل أكثر من 90 % من إجمالي الدين الخارجي للسودان».
عودة حمدوك
ويظل المطلب الأبرز للقوى المدنية وأنصارها هو عودة رئيس الوزراء المقال عبدالله حمدوك إلى منصبه وإسناد قيادة البلاد للمكون المدني استكمالا للفترة الانتقالية التي يشهدها السودان منذ 21 أغسطس 2019، والتي كان يفترض أن تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، يتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام العام الماضي.
وتضغط العديد من الدول والمنظمات على الجيش السوداني من أجل العدول عن القرارات وإعادة الأمور إلى ما قبل 25 أكتوبر، إلا أن هذه المساعي لم تجد صدى فيما يبدو حتى الآن لدى العسكريين، فالبرهان عين مجلسا سياديا جديدا مؤلفا من 13 عضوا برئاسته واحتفظ محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، بمنصب نائب رئيس المجلس السيادي.
ويضم هذا المجلس تسعة كانوا أعضاء في المجلس السابق، بينهم خمسة من كبار ضباط الجيش، وأربعة أعضاء جدد حلوا محل أعضاء المجلس السابق المنتمين إلى قوى الحرية والتغيير، وبقي في المجلس قادة الجبهة الثورية وهم مالك عقار والطاهر حجر والهادي إدريس، بينما حظت المرأة بمقعدين من أصل خمسة مقاعد مدنية في المجلس الجديد، وتم تأجيل تسمية ممثل شرق السودان في المجلس الجديد إلى حين إجراء «مزيد من المشاورات»، وأدى أعضاء المجلس القسم أمام البرهان ورئيس القضاء فتح الرحمن عابدين.
نداءات العصيان
ومع التطور الجديد، رأى البعض أن السودان فقد بوصلة العبور إلى منطقة الانتقال الديمقراطي وأن للجيش مطامع في السلطة، وتعالت النداءات للعصيان المدني ورفض قرارات البرهان حتى عودة الحكومة المدنية.
ويقول موقع أفريكا إنتيلجانس «إن البرهان عزز قبضته على السلطة بتعيين مجلس السيادة الجديد وتخلص من المكون المدني الذي بات «مرهقا»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن تعيين رئيس وزراء جديد يظل صداعا وأن عبدالله حمدوك ليس خارج اللعبة تماما».
وما بين انفراد الجيش بالسلطة وغليان المحتجين في الشارع، أثارت الأحداث الأخيرة تساؤلات كثيرة بشأن مستقبل السودان الذي رزح تحت نير الديون وتصنيف الدول الراعية للإرهاب كثيرا، وطرحت علامات استفهام بشأن عودة كانت وشيكة إلى المجتمع الدولي، مع
طريق كانت ممهدة لطلب الحصول على دعم اقتصادي من الولايات المتحدة والمؤسسات المالية الكبرى، فبعد إجراءات البرهان الاستثنائية، بات مصير علاقة السودان مع واشنطن والمؤسسات المالية تلك في موضع شك.
خسائر السودان في حال استمرار الأزمة
700 مليون دولار سنوية منحة تتلقاها الحكومة من أمريكا
1.4 مليار دولار متأخرات أعلن صندوق النقد الدولي أنه سيعفي البلد منها
50 مليار دولار ديون كانت في طريقها للتخلص منها
90 % من الدين الخارجي للسودان كان على وشك الشطب