أروى الزهراني

الإعلام الرقمي بصفته دافعا للممارسة المهنية!

الأحد - 14 نوفمبر 2021

Sun - 14 Nov 2021

هل يمكن تجنيد البيئة الإعلامية في عالم اليوم وفق المعايير أم أنها قوة تجعلنا نرضخ لاعتباراتها رغما عما نحمله من أخلاقيات!

لقد سطع الإعلام الرقمي في البيئة التفاعلية الاتصالية بسرعة فائقة، قبل أن نتمكن من استيعاب تكوينه ومخرجاته ومتطلباته التي نود الانخراط فيها دون خسائر، بالرغم من مرونة البيئة الرقمية وكثافة المنافع والموارد إلا أننا بصدد أزمة أخلاقية جديدة تضاف إلى أزمات الإعلام التقليدي والجديد، وتتغلب في مخاوفها على كل ما شكل تهديدا سابقا بخصوص الأخلاقيات.

وقد تعددت في هذا الصدد دراسات وأبحاث عميقة تبحث في جزئية الاتجاهات الجديدة في إعلام اليوم واعتباراتها من جميع الجوانب، نظرا لما يفرضه هذا التطور من عواقب على الممارس والمتلقي والمضامين على حد سواء.

إن العوالم الرقمية نقلة نوعية في فضاء الإعلام والاتصال، وبالتأكيد لدى الممارسين والمقبلين بشغف على المهنة يعد الإعلام الرقمي تطورا هائلا يحمل في طياته المثير والكثير لأصحاب المهنة، بيد أن هذه القفزة في مجال الإعلام تعني أيضا تجاوزا لأهم سماته وضوابطه المهنية والأخلاقية أشد وأبلغ، وهذا الصراع الذي تخلقه البيئة الرقمية بين الالتزام والتخلي مقابل الانتشار والإثارة يفرض تحديا كبيرا لأولئك الدارسين المتخصصين لممارسة المهنة وفق الضوابط مع استغلال هذه الظاهرة بشكل محمود يعود بالنفع على هذه الأمة، ويشكل فارقا ينخل الصالح عن الفاسد والنافع عن الملوث.

إن دافعية الممارسة لدى خريجي الإعلام في المملكة العربية السعودية يفرضها هذا التطور المبهر في الإعلام ومحطاته وبيئاته المتنوعة التي تنافس بعضها، فهنا صحافة البيانات وهناك صحافة الروبوت والإعلام الرقمي وإعلام الشبكات وصحافة الموبايل والمواطن وغيرها من البوابات الشاسعة التي لم تزل تتكاثر بسرعة هائلة وتتكاثر معها المميزات والفرص، ولكن هل تلتزم هذه الدافعية والبيئة الحالية بالمسؤولية الاجتماعية والمعايير التي لا يصح تذويبها في أي بيئة وزمان؟

يحتفظ الممارس الصحفي بحقه في تطبيق هذه المسؤولية والالتزام بأخلاقيات المهنة ما دام الدافع حرا لا تحكمه اعتبارات المكان الفضفاضة، يتجادل الكثرة في الساحات الإعلامية على فكرة الضوابط، فنجد البعض ينخرط في مميزات البيئة الجديدة بإلمام كاف مع تغييب عنصر الأخلاقيات الذي لا يحاكم عليه أحد بصيغة الماضي وحزمها، بينما يجاهد البعض في ترميم المكان قدر الإمكان بما يتناسب مع برواز المهنة وملامحها.

تربطنا لكثير من الأحيان سلاسل القانون تارة في بعض المواضع، والضمير تارة أخرى، ولكن في عموم الاتصال الرقمي يندر أن تخضعنا المعايير مثلما كانت أساسنا في البدء ومحط اعتبارنا وتشريف المهنة، لذا تسقط دافعية الإنجاز في هذه الأمكنة مع غياب التشريعات الرادعة والضوابط المنيعة في الأداء والممارسة، تسقط لدى كل مقبل بشغف وشرف دون أن يذوب في إجراءات المكان.

إننا في عصر تستحوذ فيه الرقمية على كل مجال من مجالات حياتنا، ففي أيدينا شعلة هائلة من التطور والتقدم إن لم نضبطها في صالح المجتمعات واتخذناها أداة إصلاح فائقة المنافع ستنفجر في وجه ارتباكنا وضعفنا وتخلينا ونصبح تحت سلطتها مسلوبي الإرادة نعجز حتى عن الانغلاق بعيدا عنها، لأنها تتولى إدارتنا من جميع الجهات!

إذن وككل مندفع بحسن ظن تجاه هذا الإعلام الرقمي وتوابعه ينبغي على المؤسسات إعادة تشكيل نهج الممارسة الإعلامية والتعاطي مع بنية المكان وفق الأساس الذي تسقط من غير الالتزام به كل الأركان، إن واقع الممارسة الصحفية والإعلامية في العالم الرقمي وكل التداعيات التي حدثت ولم تزل تحدث كلما زادت امتيازات هذه البيئة وروادها توجب التفاني في تجييش كل أولئك الممارسين وفق طبيعة المكان إضافة إلى الراسخ فيهم من أخلاقيات ومعايير بحيث يرقى العمل والعامل وتنجلي عن المضمون أغبرة الانتهاكات ومحاولات التشويه، ويتجلى في المادة والوسيلة شرف الإعلام وغاياته مهما تغيرت مواطنه وتبدلت المسميات وتعددت الوظائف وتباينت الشخصيات.

إن تحول الإعلام للرقمية لا يبيح صبغه بالدجل والشائعات وتصييره بيئة قابلة للطعن والممارسات الذميمة، هوية الإعلام بمواثيقه وضوابطه يجب أن تظل سامية ولما وجدت له، وهوية رواده ودوافعهم نحو المهنة لا تلغيها أي نقلة نحو أي فضاء، والدافعية لممارسة المهنة في عصرنا اليوم ناجحة جدا وينقصها ألا تتلطخ بمغريات المكان، وأن تحمل ميثاق المهنة في أيما بيئة وفي البيئة التي لا تفعل الأدوار الأخلاقية ولا تحاكم عليها أكثر!

zahrani_arwa1@