رائد محمد المالكي

الإرشاد التطوعي.. مستقبل التطوع

السبت - 13 نوفمبر 2021

Sat - 13 Nov 2021

في بداية رحلتي التطوعية توقعت أن التطوع عمل بلا مقابل فقط وتنتهي الفكرة إلى هذا الحد، حيث إن أهمية التطوعي في حينها كمفهوم وممارسة لم تتجاوز حدود جمجمتي، ومع الممارسة التطوعية التي منذ بدايتها أخذت على عاتقي مناصرة هذه القضية عبر تأسيس أول صحيفة الكترونية مهتمة بالعمل التنموي بهدف نشر ثقافته وتجويد العمل عبر الصحافة التي تعتبر سلطة رابعة لها قدرة عجيبة في التغيير.

من خلال مبادرة الصحيفة وغيرها من المبادرات بدأت تتضح لي معالم أهمية التطوع وأن الأمر ليس مجرد عمل بلا مقابل كما ظننت، بل هو مشروع عالمي عظيم (ليس المقام مقام شرح لهذه النقطة).. المهم يكون التطوع عملا بسيطا عندما يكون حدود طموحك إنجاز مهمة يسيرة وتنتهي علاقتك بالفرصة التطوعية، ولكن الأمر مختلف عند من يمارس التطوع كقائد لمجموعة تطوعية أو مسؤول في منظمة غير ربحية.

عموما تمضي السنوات منذ تأسيس مجموعة مبادرات وإدارة المتطوعين وأنا في دوامة لا تنتهي من الاكتشافات المعرفية والمهنية سواء بالاستشارة أو بالتجربة أو بنقل ممارسة ناجحة في تصميم المشاريع التنموية أو إدارة الموارد البشرية من المتطوعين ومعرفة حقوقهم وواجباتهم وبناء علاقات وفهم منظومة القطاع غير الربحي.. أصابني الإرهاق وأنا أحاول إيصال المعلومة؛ لأني أتذكر حجم المعاناة التي واجهتها حتى وصلت لما وصلت عليه الآن من فهم للتطوع إدراك لأهميته.

لذلك بعد كثير من التجارب في تصميم وإدارة المشاريع التنموية والمتطوعين اتخذت قراري بألا يعيش المتطوعون تجربتي، وأن أخفف عنهم عناء المسيرة وأختصر عليهم الطريق لمصلحتهم ومصلحة المجتمع، حيث قمت بتصميم برنامج الإرشاد التطوعي والذي يقوم على تمكين الخبراء في العمل التطوعي ليمارسوا دور المرشدين للمتطوعين الجدد والمنظمات الراغبة باستثمار المتطوعين لتحقيق أهدافها التنموية.

إن الإرشاد التطوعي بزعمي أنه مستقبل التطوع وأن الاحتياج له ليس ترفا، بل حاجة مجتمعية مُلحة وعلى المًشرّع أن يلتفت للميدان التطوعي ويسأل من مارس التطوع الحقيقي وعمل مع المتطوعين وعرف التحديات والعوائق؛ لذلك فالإرشاد يحل مشكلة تسرب المتطوعين المتحمسين لتأسيس كيانات تطوعية، ولكن عدم فهمهم للقطاع التنموي ولضعف علاقاتهم في المجال وكذلك لضعفهم في تصميم المبادرات جعلهم ينسحبون بصمت أو يستمرون بتخبط يضيع فيه جهد المتطوعين بلا أثر.

يقوم المرشد التطوعي على توجيه وإرشاد المتطوعين والمنظمات غير الربحية نحو أفضل الممارسات كما يقوم بالمساهمة في حل مشاكلهم بما يتناسب مع طبيعتهم المؤسسية وحجم كياناتهم، حيث يمكن الاستفادة من المرشد التطوعي في ربط المتطوعين بالمنظمات غير الربحية لتبني مبادراتهم أو سد احتياجهم البشري، وبالإمكان أن يقوم المرشد التطوعي بمساعدة المنظمات غير الربحية في تصميم وإنضاج مبادرات الفرق التطوعية الجديدة والتي لا تملك خبرة في تصميم المبادرات وكذلك تخفيف العبء على إدارات التطوع والتي ربما تقف عاجزة في بعض الأحيان عن تلبية احتياج المتطوعين من توليد فرص تطوعية أو حفظ حقوقهم.

أخيرا.. مشروع الإرشاد التطوعي هو مشروع وطني قريبا سيجد من يؤمن به وينتقل به لمرحلته الثانية؛ ليكون نقطة تحول في تاريخ التطوع المؤسسي وحاضنة لكل متطوع يريد أن يقدم لوطنه عملا نبيلا لا يرجو منه مقابلا ماديا.

@raed_arn