زيارة عبدالله الصيخان
الثلاثاء - 09 نوفمبر 2021
Tue - 09 Nov 2021
تحدث العرب في شعرهم ونثرهم وأحاديث مجالسهم عن خصلة كريمة عند كل الشعوب وعندهم خاصة، وهي خصلة الوفاء للأصدقاء، وقد يكون الوفاء بعهد أو عقد أو يكون بوعد للخلطاء من عشير وصاحب، وهذه الأمور يتصل بعضها ببعض وأساسها النوع الأول، وللعرب قصص طويلة عن الأوفياء في تاريخهم، وفيهم الشكوى من قلة الأوفياء ونسيان الأصدقاء أيضا، بين هذه الأحوال تكون مواقف قليلة ونادرة يتجلى بها الوفاء في أجمل معانيه وبسبب ندرتها وقلتها كانت لها مكانة بارزة في التراث وبين الأحياء.
ولا شك أن الوفاء للأخلاء والأصدقاء وحفظ الذمام لمن انقطع الرجاء منهم وحال الموت بينهم يعد من أجل الصفات؛ لأنه تجرد من مطالب الدنيا وحاجاتها ويبقى مناط المروءة حين يحافظ المرؤ على علاقات انقطعت أسبابها وبقي الطرف الحي ممسكا بحبل الذكريات وقد ذهب أصدقاؤه ذهابا لا رجعة منه ولا لقاء بعده، عندئذ يكون للوفاء طعم خاص وقيمة عالية.
في الأسبوع قبل الماضي وصلتني (زيارة) ضميمة من شعر الشاعر المبدع عبدالله الصيخان، وليست من شعره الذي لهجت به الألسن منذ 40 عاما وغنت بمعانيه الألحان. ولكنها زيارة خاصة تستحق المناقشة فضلا عن جمال الشعر وفنيته ومضامينه، لمحة وفاء حملتها تلك الأوراق القليلة لأصدقاء الشاعر، الذين غناء لهم بعد رحيلهم وهم لم يكونوا وزراء ولا أثرياء ولا عظماء كما اعتاد الشعراء أن يغنوا لهؤلاء، إنما كانوا يوما ما شبابا في سنه أترابا له قريبين منه، ذهبوا سريعا وبعدوا، لم يكن ذهابهم أمس حتى نقول الحزن جديد والتذكر قريب لكنهم غادروا الحياة منذ سنين؛ فأجبره الوفاء على إحيائهم والتمثل بشعر متناص مع مفرداتهم وقوافيهم ليكون القرب إليهم أكثر وإحياء ذكرهم أجدر.
يبدأ بمحمد الثبيتي ويسميه القرين وقد كان كذلك فيعيد ذكراه بكلمات كانت تتردد في قصائده، ويجدد الألم بالفراق، والألق بالشعر (نازلا من سفوح حراء إلى ما وراء الجموم) مفردات يخص بها القرين لم تكن إلا له ولا يحسن أن ترسل إلا إليه في غيابه الطويل يريد أن يكون للقرين المفارق نموذجا من الشعر يعرفه صديقه ويطمئن على أن حبل الصداقة لم ينقطع ولا زال ممتدا يمسك به الطرف الآخر الباقي في الدنيا، هذه المفردات التي تضمنها شطر بيت والمواقع التي سماها لا تصلح إلا أن ترسل إلى الشاعر محمد الثبيتي في رمسه وغيابه الأبدي.
ومع رفيق آخر وشاعر موهوب ورسام في الريشة والكلمات عبدالعزيز مشري يشتق من حياته ومعاناته البائسة لغة تماثل ما كان معروفا عنه ومعهودا منه (أتى كي يرد الغطاء على جسد ناحل في مساء حزين) عبدالعزيز مشري كمحمد الثبيتي يتقاطع خطهما في الحياة مع خط الشاعر ويلتقيان في ثورة الشعر وتوهجه في وقت كان المجتمع يجيش غضبا عليهم ويحاول وأدهم والخلاص منهم، أما الثالث فاللحن الجميل الذي غناء للحياة وغناء للأرض وغناء للشعر أيضا وعبدالله الصيخان مشغول بهذه الثلاث جميعها وسهل عليه أن يجعل الصمت كلاما وزمانه غيثا يفيض وشعيب يسيل (وكنت إذا شدوت أطل صبح على صحرائنا ومشى شعيب) يغني طلال مداح ويعيد الصيخان صداه صبحا وصحراء وشعيبا.
زيارة الشاعر امتداد لزمن الشعر والرفاق الذين جمعهم الشعر يوما ما وفرقهم الدهر إلى الأبد، الشاعر عبدالله الصيخان بزيارته يعيد الزمن والشعر ولكن الأصدقاء لن يعودوا ولن يصفقوا له وهو ينشد:
قد جئت معتذرا ما في فمي خبـر
رجلاي أتعبها الترحال والسفر
إن جئت يا وطني هل فيك متسع
كي نستريح ويهمي فوقنا مطر.
Mtenback@
ولا شك أن الوفاء للأخلاء والأصدقاء وحفظ الذمام لمن انقطع الرجاء منهم وحال الموت بينهم يعد من أجل الصفات؛ لأنه تجرد من مطالب الدنيا وحاجاتها ويبقى مناط المروءة حين يحافظ المرؤ على علاقات انقطعت أسبابها وبقي الطرف الحي ممسكا بحبل الذكريات وقد ذهب أصدقاؤه ذهابا لا رجعة منه ولا لقاء بعده، عندئذ يكون للوفاء طعم خاص وقيمة عالية.
في الأسبوع قبل الماضي وصلتني (زيارة) ضميمة من شعر الشاعر المبدع عبدالله الصيخان، وليست من شعره الذي لهجت به الألسن منذ 40 عاما وغنت بمعانيه الألحان. ولكنها زيارة خاصة تستحق المناقشة فضلا عن جمال الشعر وفنيته ومضامينه، لمحة وفاء حملتها تلك الأوراق القليلة لأصدقاء الشاعر، الذين غناء لهم بعد رحيلهم وهم لم يكونوا وزراء ولا أثرياء ولا عظماء كما اعتاد الشعراء أن يغنوا لهؤلاء، إنما كانوا يوما ما شبابا في سنه أترابا له قريبين منه، ذهبوا سريعا وبعدوا، لم يكن ذهابهم أمس حتى نقول الحزن جديد والتذكر قريب لكنهم غادروا الحياة منذ سنين؛ فأجبره الوفاء على إحيائهم والتمثل بشعر متناص مع مفرداتهم وقوافيهم ليكون القرب إليهم أكثر وإحياء ذكرهم أجدر.
يبدأ بمحمد الثبيتي ويسميه القرين وقد كان كذلك فيعيد ذكراه بكلمات كانت تتردد في قصائده، ويجدد الألم بالفراق، والألق بالشعر (نازلا من سفوح حراء إلى ما وراء الجموم) مفردات يخص بها القرين لم تكن إلا له ولا يحسن أن ترسل إلا إليه في غيابه الطويل يريد أن يكون للقرين المفارق نموذجا من الشعر يعرفه صديقه ويطمئن على أن حبل الصداقة لم ينقطع ولا زال ممتدا يمسك به الطرف الآخر الباقي في الدنيا، هذه المفردات التي تضمنها شطر بيت والمواقع التي سماها لا تصلح إلا أن ترسل إلى الشاعر محمد الثبيتي في رمسه وغيابه الأبدي.
ومع رفيق آخر وشاعر موهوب ورسام في الريشة والكلمات عبدالعزيز مشري يشتق من حياته ومعاناته البائسة لغة تماثل ما كان معروفا عنه ومعهودا منه (أتى كي يرد الغطاء على جسد ناحل في مساء حزين) عبدالعزيز مشري كمحمد الثبيتي يتقاطع خطهما في الحياة مع خط الشاعر ويلتقيان في ثورة الشعر وتوهجه في وقت كان المجتمع يجيش غضبا عليهم ويحاول وأدهم والخلاص منهم، أما الثالث فاللحن الجميل الذي غناء للحياة وغناء للأرض وغناء للشعر أيضا وعبدالله الصيخان مشغول بهذه الثلاث جميعها وسهل عليه أن يجعل الصمت كلاما وزمانه غيثا يفيض وشعيب يسيل (وكنت إذا شدوت أطل صبح على صحرائنا ومشى شعيب) يغني طلال مداح ويعيد الصيخان صداه صبحا وصحراء وشعيبا.
زيارة الشاعر امتداد لزمن الشعر والرفاق الذين جمعهم الشعر يوما ما وفرقهم الدهر إلى الأبد، الشاعر عبدالله الصيخان بزيارته يعيد الزمن والشعر ولكن الأصدقاء لن يعودوا ولن يصفقوا له وهو ينشد:
قد جئت معتذرا ما في فمي خبـر
رجلاي أتعبها الترحال والسفر
إن جئت يا وطني هل فيك متسع
كي نستريح ويهمي فوقنا مطر.
Mtenback@