مذاهب الناس في تلقي الخبر!
الاثنين - 08 نوفمبر 2021
Mon - 08 Nov 2021
خطت وسائل الإعلام خطوة قوية بالإعلان عن اعتقال رئيس شركة فايزر على خلفية القبض عليه عن معلومات مضللة عن ضرورة أخذ اللقاح، ومهما يكن من تفاصيل الخبر، وتناقل الناس وإضافاتهم من بعدها الخبر، وبعد تلقيه بشكل واسع تبين أن الخبر كذب وأن مصدره موقع مغمور متخصص في الإثارة وبث الإشاعات وبهذا تبقى الإشاعة أكثر وهجا من الحقيقة وفي كل مرة يأتي حديث مع الناس عن ضرورة أخذ اللقاح يأتي من يقول لك: تم القبض على رئيس الشركة، فتعيد في كل مرة أن الخبر مجرد إشاعة كاذبة، وترجع لأصل الموضوع عن ضرورة أخذ اللقاح!
فالناس، وحتى بعض وسائل الإعلام -للأسف- كالأطفال في تلقي الأخبار، يتلقفون أي خبر دون التأكد من مصادره، أما وسائل الإعلام التي تضع لنفسها بعض المعايير؛ فإنها تستند على بعض الألفاظ التي تخلي مسؤوليتها مثل: ذكرت تقارير، أو على ذمة وسائل الإعلام، أو تقول بأن مصادر قالت، وبهذا تشعرك بأنها أخلت مسؤوليتها عن مصداقية نقل الخبر، أما الناس في تلقي الأخبار فبعضهم:
- متمذهب قبل الاستدلال، فقد اختار الوقوف في صف عدم أخذ اللقاح فوقعت عينه على الخبر؛ فلم يصدق نفسه أن ثمة دليل بين يديه الآن، فهو لا يريد أن يتثبت أصلا؛ لأن الإشاعة جاءته على طبق من ذهب، فإن اختار الطريق قبل الدليل، فقد جاء الدليل واهيا أو غير واه، فالمهم التشبث بهذه القشة التي قصمت صحة الناس!
- وبعضهم قد مات قلبه، فلا فرق لديه بين الحقيقة والإشاعة وهو للأخيرة أقرب؛ لأنها أكثر إثارة، والمهم هو الإثارة والسرعة في نقل الخبر، والسبق فيه، خوفا من أن يقال له علمنا قبلك بهذا، فهذا هو أحد أشهر مستهدفي صانعي الإشاعات.
- الغوغائية، والتي ذهبت من مفرداتهم أهمية الحقيقة، ولم يعد مبدأ التثبت جزء من تفكيرهم وعقولهم، فهم أشبه بعلب فارغة من مر عليها ملئها بما شاء كيفما شاء، فهؤلاء والإشاعات أصدقاء، خاصة إذا غابت عنهم ملكة التفكير والنقد، عطفا على حضور العجلة واختفاء الروية.
- أما الأخرون؛ فبعضهم انتقائي جدا تجاه الأخبار، فهو أكثر للدهاء والاستغلال منه لخفة العقل في التلقي، فإن كان الخبر يخدم مصالحه وحدثه ضخم الخبر برغم تثبته من عدم صحته، وإن كان ليس كذلك أوضح أن العلة في العقول التي تستقبل أي شيء، وهو بذلك أقرب للبرجماتية والاستغلال منه للحقيقة، وبذلك فهو يخدم نفسه ولا يخدم واقعه!
- أما فئة أخرى فهي ضحية تخبط المجتمعات في تلقي الإشاعة والحقيقة على حد سواء، فهو يتلقى الإشاعة كالحقيقة مات في داخله التفريق بينهما، حتى أصبح عقله معطلا بفعل الأخبار المتضاربة من الناس، فعاد لا يميز بين خبر وآخر، فاقدا الثقة في كل شيء، تاركا لعقله أن يسرح في واد آخر غير التمييز بين الخبر الجيد والخبر الرديء، وهذا ليس سوى ضحية لنتائج تلقي الناس!
- وأخيرا العقلاء، الذين لا يستعجلون حتى يتثبتون أو على الأقل حتى تستقر الأمور في محلها، ورغم ما يخسرونه من الأولوية والأسبقية وجاهزية الحدث إلا أنهم يفوزون بالعقل والحكمة، بل من الذكاء أحيانا بعدم الترويج لبعض الحقائق كتلك التي تؤثر على الناس، أو تقلقهم أو تلك التي تأثيرها أقل من قيمتها كتأثير محتمل ومنخفض جدا لدواء مقابل أثره الإيجابي.
أخيرا، هل نأمل يوما ما بوعي المتلقي في التمييز بين الأخبار، وهل ستزداد ثقافة التثبت والتحقق من المصدر، ودعم المصداقية على حساب العجلة والتسرع والتسطيح في ملء وعاء العقل بما ساء، أم يحق لنا أن نحلم بارتفاع نسبة الوعي حتى يصبح الجهل والسذاجة في زاوية ضيقة من العالم؟!
Halemalbaarrak@
فالناس، وحتى بعض وسائل الإعلام -للأسف- كالأطفال في تلقي الأخبار، يتلقفون أي خبر دون التأكد من مصادره، أما وسائل الإعلام التي تضع لنفسها بعض المعايير؛ فإنها تستند على بعض الألفاظ التي تخلي مسؤوليتها مثل: ذكرت تقارير، أو على ذمة وسائل الإعلام، أو تقول بأن مصادر قالت، وبهذا تشعرك بأنها أخلت مسؤوليتها عن مصداقية نقل الخبر، أما الناس في تلقي الأخبار فبعضهم:
- متمذهب قبل الاستدلال، فقد اختار الوقوف في صف عدم أخذ اللقاح فوقعت عينه على الخبر؛ فلم يصدق نفسه أن ثمة دليل بين يديه الآن، فهو لا يريد أن يتثبت أصلا؛ لأن الإشاعة جاءته على طبق من ذهب، فإن اختار الطريق قبل الدليل، فقد جاء الدليل واهيا أو غير واه، فالمهم التشبث بهذه القشة التي قصمت صحة الناس!
- وبعضهم قد مات قلبه، فلا فرق لديه بين الحقيقة والإشاعة وهو للأخيرة أقرب؛ لأنها أكثر إثارة، والمهم هو الإثارة والسرعة في نقل الخبر، والسبق فيه، خوفا من أن يقال له علمنا قبلك بهذا، فهذا هو أحد أشهر مستهدفي صانعي الإشاعات.
- الغوغائية، والتي ذهبت من مفرداتهم أهمية الحقيقة، ولم يعد مبدأ التثبت جزء من تفكيرهم وعقولهم، فهم أشبه بعلب فارغة من مر عليها ملئها بما شاء كيفما شاء، فهؤلاء والإشاعات أصدقاء، خاصة إذا غابت عنهم ملكة التفكير والنقد، عطفا على حضور العجلة واختفاء الروية.
- أما الأخرون؛ فبعضهم انتقائي جدا تجاه الأخبار، فهو أكثر للدهاء والاستغلال منه لخفة العقل في التلقي، فإن كان الخبر يخدم مصالحه وحدثه ضخم الخبر برغم تثبته من عدم صحته، وإن كان ليس كذلك أوضح أن العلة في العقول التي تستقبل أي شيء، وهو بذلك أقرب للبرجماتية والاستغلال منه للحقيقة، وبذلك فهو يخدم نفسه ولا يخدم واقعه!
- أما فئة أخرى فهي ضحية تخبط المجتمعات في تلقي الإشاعة والحقيقة على حد سواء، فهو يتلقى الإشاعة كالحقيقة مات في داخله التفريق بينهما، حتى أصبح عقله معطلا بفعل الأخبار المتضاربة من الناس، فعاد لا يميز بين خبر وآخر، فاقدا الثقة في كل شيء، تاركا لعقله أن يسرح في واد آخر غير التمييز بين الخبر الجيد والخبر الرديء، وهذا ليس سوى ضحية لنتائج تلقي الناس!
- وأخيرا العقلاء، الذين لا يستعجلون حتى يتثبتون أو على الأقل حتى تستقر الأمور في محلها، ورغم ما يخسرونه من الأولوية والأسبقية وجاهزية الحدث إلا أنهم يفوزون بالعقل والحكمة، بل من الذكاء أحيانا بعدم الترويج لبعض الحقائق كتلك التي تؤثر على الناس، أو تقلقهم أو تلك التي تأثيرها أقل من قيمتها كتأثير محتمل ومنخفض جدا لدواء مقابل أثره الإيجابي.
أخيرا، هل نأمل يوما ما بوعي المتلقي في التمييز بين الأخبار، وهل ستزداد ثقافة التثبت والتحقق من المصدر، ودعم المصداقية على حساب العجلة والتسرع والتسطيح في ملء وعاء العقل بما ساء، أم يحق لنا أن نحلم بارتفاع نسبة الوعي حتى يصبح الجهل والسذاجة في زاوية ضيقة من العالم؟!
Halemalbaarrak@