عبدالله الأعرج

النماذج التعليمية العالمية ليست منقذة!

الاحد - 07 نوفمبر 2021

Sun - 07 Nov 2021

في ظل حرصها الكبير، تتوالى رغبات المنظمات المعنية بالتعليم في استنساخ نماذج عالمية جميلة في التعليم، وتحرص على الحصول على اعتمادات هيئات ومراكز ومكاتب دولية مرموقة في مجال من مجالاته المتعددة.

تفعل كثير من قطاعات التعليم حول العالم ذلك في سعيها للنهوض بالعمل التنموي والتطويري ومواكبة الجديد والمفيد واللحاق بأصحاب الخبرة وصناع التنمية المستدامة في الشرق والغرب، وفي ماراثون البحث الشرعي عن الكمال التعليمي تحدث بعض الاندفاعات القوية من البعض الذين يتخذون من كل نموذج ناجح في البلدان المتقدمة نقطة مرجعية لتقييم منجزاتهم ومحور ارتكاز لتحديد حجم التقدم الذي حازوه بفعل استدراج تلك الخبرات عالمية الهوى إلى الثقافة محلية الهوية.

وللأمانة فإنني أستطيع أن أجزم أنه لا يوجد قدسية تامة لأي نموذج في المعمورة في المجال التعليمي، وأستطيع بنفس الثقة أن أدعي أن كثيرا من النماذج المستوردة من ثقافات أجنبية لم يكتب لها النجاح (التام) خارج حدود موطنها الأم بالرغم من الهالة التي تحيط بها نفسها من خلال أهدافها ومؤشرات الأداء وأدوات القياس المعلنة.

ما السبب إذا؟ ولماذا لا ينجح نموذج تعليمي عالمي ذائع الصيت في بلد متقدم بنفس القدر خارج حدود خارطته الجغرافية؟ ولماذا نتشنج حينما لا نصل أحيانا إلى سقف الطموح الذي رسمناه في مخيلتنا عبر استخدام تلك النماذج الجميلة؟

السبب ببساطة أنه لا يوجد على وجه البسيطة شخصان متطابقان تماما عوضا عن أن نبحث عن ثقافتين يشبهان بعضهما تماما! وإيماننا بهذه الحقيقة المسلمة يجعلنا نقتنع بنفس القدر أنه وفي ظل هذا التباين لن نحظى بحلاوة الإنجاز كاملة وحسبنا أن نحقق

المكاسب السريعة والكبيرة من اقتباسنا لتلك الخبرات الدولية في مجال التعليم!

أستغرب كثيرا حينما أسمع من يستميت في الدفاع عن نموذج تعليمي ياباني أو كوري أو إنجليزي أو فنلندي أو أمريكي ويصفه بالكمال المطلق بل ربما أقسم أن سبب ما تقبع فيه منظمة تعليمية ما من تأخر عن الركب هو بسبب إهمال ذلك (الرول مودل)!

وأستغرب بنفس القدر من محاولة البعض عسف رقبة الثقافة المنظمة المحلية وترتيبات العمل ونمط المستفيد والبيئة التشغيلية لتلتقي تماما مع نماذج مستوردة وضعت تحت أطر وحيثيات ومسببات واستنتاجات وتوقعات تختلف جينيا عن ثقافة المتلقي في بقعة أخرى من كوكبنا الجميل!

ما الحل إذا؟ الحل ببساطة هو الوعي التام لحتمية الاختلاف بين البشر وجعله نقطة للتكامل والتشاور وتعزيز الثغرات، وذلك أن التمايز يعتبر ميزة إضافية للشعوب، أيضا مهم جدا أن تتبنى الجهات التعليمية نماذج وطنية محلية في كافة قطاعاتها المؤسساتية وأن تجعلها حجر الأساس ومنطلق العمل ثم تفتش هنا وهناك عن خبرات دولية لتكمل بها ما يمكن أن يجعل العمل أكثر تمايزا دون أن نعتبر الفضل في الإنجاز للأفكار الدولية بل للعمل المحلي الذي صنع تكاملا مع الشركاء حول العالم.

النماذج العالمية التعليمية ليست دوما طوق نجاة مؤكد بل ربما تحولت في بعض قطاعات التعليم إلى حبل يخنق رقبة التقدم ويبطئ الإنجاز ويستنزف وقتا ومالا وجهدا وينهك الإدارات المتعاقبة ويتحول ربما إلى ما يشبه الألغاز في ظل محاولة عمل صور طبق الأصل من النماذج الدولية في الجودة والقياس والتقويم والمراجعة والتفتيش والحوكمة والهندرة وغيرها.

أختم بالتأكيد على أن النظرة المتزنة في العمل التعليمي يجب أن تنطلق من قاعدة المقدرات والمقومات والحيثيات المحلية الصلبة وأن يكون المسؤول المعني بالتطوير أشبه بمن يتجول في حديقة يقطف من زهورها ما يلبي رغبة منظمته ويرضي ذائقتها ليكمل به مرتكزه الأساس وحينها سيكون للإنجاز نكهة من نوع فاخر فهي محلية الهوية عالمية الهوى، والسلام.

dralaaraj@