فهد عبدالله

لماذا هذه الريادة السعودية الخضراء؟

الاحد - 07 نوفمبر 2021

Sun - 07 Nov 2021

قد يكون من أفضل الطرق الإصلاحية لأي بلد يريد أن يتجه بنهضة غير مسبوقة بأن يضع عينا للحاضر ومعالجة مشكلاته الجذرية، والعين الأخرى منغمسة في النظر لتفاصيل المستقبل وكيفية الريادة فيه من خلال العمل على تقريب تفاصيله من اللحظة الحالية والتمرحل في تقريب تلك الأهداف الكبرى، لذلك وبكل فخر واعتزاز واستحقاق نستطيع أن نقول إن الريادة البيئية العالمية ريادة سعودية، وسأحاول الإجابة بتقرير مختصر في نقاط.. لماذا هذه الريادة السعودية العالمية الخضراء؟

هناك عشرات الجهود المتناثرة والمترامية تنامت وتضافرت عبر العقود الأخيرة في ارتفاع سهم البيئة بشكل تدريجي في وطننا الحبيب منذ إنشاء الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية في عام 1986م في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله مرورا بكل تلك التطورات في هذا الجانب مثل تأسيس معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء وإطلاق جائزة المملكة العربية السعودية للإدارة البيئية عام 2004 ومشاركتها بمبلغ 300 مليون دولار لإنشاء صندوق للأبحاث المتعلقة بالطاقة والبيئة خلال قمة أوبك في عام 2007 فضلا عن قيامها بأكبر مشروع إعمار بيئي في التاريخ عندما احتفلت لجنة الأمم المتحدة المعنية بتعويضات حرب الخليج إلى جانب الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في المملكة في أغسطس 2013، بالانتهاء من المشروع الذي كلف المملكة أكثر من 1.1 مليار دولار.

بالإضافة لهذه المشاركات الحكومية المهمة أيضا القطاع الخاص كانت له أدوار ومساهمات كبيرة تجاه ارتفاع سهم البيئة في وطننا الحبيب؛ فمثلا شركة أرامكو السعودية نالت جائزة مجلس التعاون الخليجي لأفضل الأعمال البيئية لعام 2002م، كما نال برنامجها لإدارة النفايات الصناعية المرتبة الثانية لفئة التخطيط الرئيسي في مسابقة الأكاديمية الأمريكية لمهندسي البيئة لعام 1999م وحصولها على إشادة من جامعة الدول العربية لجهودها المميزة في الإدارة البحرية، وكذلك الشركة السعودية للكهرباء في حصولها على جوائز عالمية مثل محور جائزة المملكة العربية السعودية للإدارة البيئية في العالم الإسلامي 2018، وكذلك جائزة نقل التقنية من معهد أبحاث الطاقة الأمريكي (EPRI) في مشروعها البحثي متطلبات البنية التحتية لشواحن المركبات الكهربائية وتأثيرها على الشبكة، مما يعكس توجه الشركة في الاستدامة في تطوير قطاع الكهرباء من حيث الأمن والموثوقية والكفاءة وملاءمة المعايير البيئية، كما حصلت الهيئة الملكية للجبيل وينبع على جائزة ساساكاوا الدولية لحماية البيئة من هيئة الأمم المتحدة، وحصلت على جائزة المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية، وكذلك جائزة المملكة العربية السعودية عن أفضل التطبيقات البيئية في الأجهزة الحكومية بالدول العربية عام 2006م. والمقال لا يتسع لذكر المنجزات البيئية المتراكمة وإنما هي مجرد أمثلة بمثابة غرفة الماء من ذلك السيل المتهادر.

وكل هذه الجهود المتراكمة توجت مؤخرا بإعلان مبادرة السعودية الخضراء والتي أعلن عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نائب رئيس مجلس الوزراء  في 27 مارس2021 ومن أوائل ثمرات هذه المبادرة إطلاق النسخة الأولى للمنتدى السنوي لمبادرة السعودية الخضراء في الرياض في الأيام القليلة الماضية، والذي يعنى بإطلاق المبادرات البيئية الجديدة للمملكة ومتابعة أثر المبادرات التي أعلن عنها سابقا بما يحقق مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء من ضمنها مبادرات في مجال الطاقة من شأنها تخفيض الانبعاثات الكربونية بمقدار 278 مليون طن سنويا بحلول 2030 ويمثل ذلك تخفيضا طوعيا بأكثر من ضعف مستهدفات المملكة المعلنة فيما يخص تخفيض الانبعاثات.

وكذلك بداية المرحلة الأولى من مبادرات التشجير بزراعة أكثر من 450 مليون شجرة وإعادة تأهيل ثمانية ملايين هكتار من الأراضي المتدهورة، وتخصيص أراض محمية جديدة، ليصبح إجمالي المناطق المحمية في المملكة أكثر من 20% من إجمالي مساحتها بالإضافة لتحويل مدينة الرياض إلى واحدة من أكثر المدن العالمية استدامة.

وكذلك نية الانضمام إلى الاتحاد العالمي للمحيطات، وإلى تحالف القضاء على النفايات البلاستيكية في المحيطات والشواطئ، وإلى اتفاقية الرياضة لأجل العمل المناخي، إضافة إلى تأسيس مركز عالمي للاستدامة السياحية، وتأسيس مؤسسة غير ربحية لاستكشاف البحار والمحيطات فضلا عن استهداف المملكة العربية السعودية للوصول إلى الحياد الصفري في 2060 من خلال نهج الاقتصاد الدائري للكربون، بما يتوافق مع خطط المملكة التنموية، وتمكين تنوعها الاقتصادي، بما يتماشى مع «خط الأساس المتحرك»، ويحفظ دور المملكة الريادي في تعزيز أمن واستقرار أسواق الطاقة العالمية، في ظل نضج وتوافر التقنيات اللازمة لإدارة وتخفيض الانبعاثات.

أهداف كبيرة جدا ورائدة وإعلانها في الملأ العالمي وتحديد إنجازها بوقت محدد هو بمثابة إعلان سباق وتحد وضعته السعودية لتسابق نفسها من أجل تحقيق هذه الأهداف وأعتقد أنه لا يمكن لدولة أن تقدم على مثل هذه التحديات العملاقة إلا إذا كانت تملك أمرين، الأمر الأول طاقة كامنة في مقدراتها وأبنائها تعرف إحداثيتها وقادرة على تحويلها واستثمارها تجاه تحقيق هذه الأهداف العملاقة، والأمر الآخر وجود العين الأخرى المنغمسة في النظر لتفاصيل المستقبل وكيفية الريادة فيه التي ذكرناها في بداية المقال.

لذلك كانت هذه الريادة السعودية الخضراء.

fahdabdullahz@