غسان بن محمد عسيلان

هل نَجَحَ المشروع الصفوي الإيراني في فصل لبنان عن محيطه العربي؟!

الاثنين - 01 نوفمبر 2021

Mon - 01 Nov 2021

للأسف كثير ممن يظنون أنفسهم مثقفين أو ممن يُحسبون على المثقفين العرب يتصفون بالسطحية، ولا يفهمون حقائق الأمور، وعلى رأس هؤلاء السطحيين تلك الفئة من الناس التي تنظر إلى مسألة الحرب الحالية في اليمن من زاوية قاصرة لا تتجاوز موضع أقدامهم؛ فالتحالف العربي لم يُقْدِم على عاصفة الحزم لنُصرة طرف على طرف آخر في اليمن، ولا لحماية الفناء الخلفي للمملكة العربية السعودية فحسب!! بل إن الظروف الإقليمية واليمنية هي التي فرضت هذه الحرب فرضًا وجعلتها ضرورة لحماية مصالح الشعب اليمني في المقام الأول!!

إن من ينظر للمسألة اليمنية على أنها خلاف بين فصيلين أو طائفتين لا يفهم شيئًا ذا بال في علوم الاستراتيجية، فالحوثيون في النهاية قلة قليلة جدًا من أبناء الشعب اليمني، وغالبية اليمنيين هم من الشيعة الزيدية، وهم أقرب فرق الشيعة إلى أهل السنة والجماعة، وأكثرهم اعتدالا، كما وصفهم الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (تاريخ المذاهب الإسلامية) حيث قال عنهم: «إن تشيعهم نحو الأئمة لم يتسم بالغلو، بل اعتبروهم أفضل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، واعتدلوا في مواقفهم تجاه الصحابة، فلم يكفروهم» وجماعة الحوثي التي تُناصر إيران وتدعم مشروعها الصفوي في المنطقة أقلية قليلة في الشعب اليمني.

إن هيمنة الحوثيين على المشهد اليمني تُمثل نموذجًا صارخًا لرغبة إيران في السيطرة على المنطقة العربية وتغيير هويتها ومعتقداتها بالقوة، وهذا ليس افتراء من عند أنفسنا بل لقد صرَّح بذلك نفر من دعاة ومنظري المشروع الصفوي مثل الصحفي الإيراني محمد صادق الحسيني حيث قال: لقد سيطرنا على أربع عواصم عربية هي: (بغداد، ودمشق، وصنعاء، وبيروت) ومن هؤلاء من تبجح بالقول: إن الطريق الآن مفتوحة للسيطرة على مكة والمدينة.

والمشروع الصفوي الفارسي ليس مجرد مشروع ديني طائفي بل هو مشروع استعماري توسعي يسعى إلى بسط نفوذ إيران على الشعوب العربية ونهب خيراتها، فهو في الواقع عدوان حقيقي على هذه الشعوب.

ومشكلة لبنان مع دول مجلس التعاون الخليجي ليست مجرد التصريحات الساذجة التي يُدلي بها بعض الساسة اللبنانيين من حين لآخر، المشكلة الحقيقية هي أن لبنان يُستخدم كمخلب قط في أيدي إيران، وهو ساحة للحرب بالوكالة عنها، وليت المستفيد هو الشعب اللبناني، لكن للأسف فإن هذا الشعب هو من يدفع الفاتورة الباهظة لسذاجة أو طمع وجشع وصراعات نُخَبِه السياسية الذين تتلاعب بهم قوى إقليمية ودولية كثيرة لتحقيق مصالحها والخاسر الأكبر هم اللبنانيون أنفسهم!!

ومن المعروف أن (المنَّ والأذى) ليس من الشيم العربية الأصيلة ولا الأخلاق الإسلامية في شيء، فـ(المعايرة) بتقديم الدعم والمساعدات في الأزمات ليست من صفات العرب ولا المسلمين، ووقوف المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي مع أشقائهم اللبنانيين في مختلف المِحن والأزمات نابع من المروءة والشهامة والنخوة العربية ونبل الأخلاق الإسلامية، وليس طمعًا في أية مصالح، ولا بحثًا عن مكتسبات وولاءات في الساحة اللبنانية.

لكن بالرغم من هذه الدوافع الأخلاقية التي تُمليها روابط العروبة والإسلام إلا أن تُجار الحروب في الساحة اللبنانية لا يعرفون إلا مصالحهم الشخصية الضيقة، ومن هنا تتحكم في الفسيفساء اللبناني عوامل عدة ليس من بينها للأسف حرص النخبة اللبنانية على مصالح ومقدرات ومكتسبات الشعب اللبناني!!

من هنا نسمع بين الحين والآخر تصريحات غير موفقة من مسؤولين لبنانيين تفصل لبنان عن محيطه العربي، وتُلقي به في أحضان إيران التي لا تدخر وسعًا ولا جهدًا في سبيل استلال لبنان من جذوره العربية واستخدامه في ضرب مصالح دول مجلس التعاون الخليجي - والسعودية - على وجه التحديد.

من هنا فإن وقفة المملكة العربية السعودية الحاسمة الأخيرة ضد هذا السلوك غير المسؤول من بعض الساسة اللبنانيين هي في الحقيقة لحماية لبنان وشعبه من السقوط في براثن الهيمنة الإيرانية الفارسية، التي تريد تأجيج الحروب الطائفية في المنطقة؛ ليتسنى لها بسط نفوذها وهيمنتها وتحقيق أحلامها في استرداد أمجاد الإمبراطورية الفارسية البائدة!!

@GhassanOsailan