فهد عبدالله

الرقابة الذاتية

الأحد - 31 أكتوبر 2021

Sun - 31 Oct 2021

سأبدأ المقال بسؤال في ظاهره البساطة وفي باطنه وتطبيقات الإجابة عليه ما الله به عليم من تحديات وتراكمات حتى يستطيع الإنسان أن يقول في داخله أعتقد أنني اجتهدت في تحري صوابية الإجابة قولا وعملا، السؤال هو: هل لديك القدرة بشكل متقطع أو دائم على وضع أفكارك وعاداتك وتوجهاتك على الطاولة واستخدام أدوات المسح الضوئي والتشريح لمعرفة الحالة الصحية التي تمر بها دواخلك ومحاولة تطبيبها وإصلاحها؟

أعتقد بدرجة أولى صعوبة السؤال ليست في شكل أسلوب الاجتهاد في الإجابة عليه، وإنما في توارده أولا على البال والاهتمام به فضلا عن بقائه في قائمة الأسئلة المثبتة في أعلى صفحة الاهتمامات، على غرار أن فهم المشكلة نصف الحل، فكذلك وجود هذا السؤال الذي يحفز العقل والفكر للرحلات في داخل النفس هو أيضا نصف الوعي، وفي المستوى الثاني من الصعوبة هو قوة البرمجة الخارجية التي تحدث من حولنا وتشغلنا بطريقة أو بأخرى عن الارتحال لمسافات طويلة في دواخلنا، وفي المستوى الثالث لصعوبة هذا السؤال هو أن الأمراض التي يمر بها الجسد أودع الله لها في أجسامنا مؤشرات حسية تنبئك بحالتك الصحية بينما الأمور المتعلقة بالأفكار والعادات والتوجهات عندما يصيبها المرض ليس لها مؤشرات حسية تثير الألم لديك لتعرف أنها حالة مرضية.

على الطرف الآخر من تحديات وجود هذا السؤال الدائم أنه عند المبالغة فيه أو التعامل معه بشيء من التطرف سيكون سيفا سليطا على النفس وتتحول تلك المراجعات اللطيفة لما يكون في أعماقنا والتي من أهدافها تصويب التوجهات والترقي في سلم السعادة والحياة الطيبة إلى جلد للذات وتكسير للمجاديف تبعثر أهمية وجود أسئلة المراجعة ولا تجعل لها قوالب حكيمة يتعامل معها الإنسان بسلام وتوصله إلى سلام.

بكل بساطة تأمل مثلا الشركات والمؤسسات أو الكيانات أيا كان حجمها وإذا وجدتها في حالة متقدمة ومتطورة أو عكس ذلك تستطيع أن تجد خيطا عريضا من الربط مع شكل المراجعات والتصويبات التي تحدث في العمليات الإدارية لديها، لذلك حتى في أفضل المناهج الإدارية التي اخترعها البشر في عالم الإدارة والاستراتيجيات والجودة.. إلخ ستجد أن مفهوم المراجعة المستمرة والتطوير المستمر هو حجر الزاوية الذي يقوم عليه ذلك البنيان الإداري، فإذا كانت هذه الشركة أو تلك المؤسسة الناضجة تضع مفهوم المراجعة المستمرة في نصب عينها الإداري من أجل تحقيق أهدافها فمن باب أولى وأكثر استحقاقية أن يكون ذلك أوجب في حق الإنسان.

والقدرة الإلهية المعجزة في خلق الإنسان جعلت لديه القدرة على الاجتهاد لمعرفة الصحة والخطأ ولديه القدرة على التصويب ومهما كان تنوع الوسائل والأدوات في التصحيح لن تجد مثل الرقابة الذاتية الداخلية كبوابة ابتداء وانتهاء في عالم المراجعات والتصويبات (بل الإنسان على نفسه بصيرة).

الجانب الثاني الذي يلي أهمية وضع الأسئلة الداخلية في مراجعة الأفكار والعادات والتوجهات على الطاولة، هو جانب تحري الإجابة الصحيحة على هذه الأسئلة من خلال ضبط المعايير الداخلية وتنشيط عمليات التفكير البانورامية وتسيير الإجابات في مساراتها الصحيحة قدر الإمكان بعيدا عن استهلاك النتائج الجاهزة والمعلبة مسبقا أو لي عنقها مع ترجيحات الهوى الشخصي.

منهجية الرحلات الداخلية في التأمل داخل النفس والمراجعات الصحية لما ندور حوله أو يدور حولنا من أفكار وعادات وتوجهات وحتى لو أسفرت ببعض الأخطاء بعد الاجتهاد أفضل من تلك الأمور الصحيحة التي وجدنا أنفسنا عليها ولا نعرف كيف تكونت أو تراكمت في دواخلنا دون محاولات لتفعيل عين الرقابة والتصحيح.

@fahdabdullahz