عبدالله محمد الشهراني

التقنية لم تقتل النمنم فقط

الأربعاء - 27 أكتوبر 2021

Wed - 27 Oct 2021

في زمن ليس بالبعيد كانت هناك مسميات لكائنات مرعبة، ترددها الأمهات والجدات على أسماع الأطفال من أجل إخافتهم من الذهاب إلى مكان ما، أو لجعلهم ينامون باكرا.

والحقيقة أن تلك الممارسة من قبل الأمهات والجدات كانت موجودة في قديم الزمان قبل آلاف السنين، ومن تلك المسميات التي كانت تستخدم لهذا الغرض مسمى الغول والنمنم والدنجيرة أو الدجيرة.

والذي كان يعزز طرق الرعب والتخويف لدى الأمهات والجدات، تلك القصص التي كانت تسرد من قبل أشخاص ذمتهم (لك عليها)، يروونها إما على سبيل دب الرعب في نفوس المستمعين أو على سبيل إظهار بطولاتهم وصولاتهم لكن أمام المستمعات.

اختفت القصص واختفى رواتها، أو على أقل تقدير تناقصت نسبة وجودها ووجودهم إلى 1%، والسبب يكمن في أنه كيف للنمنم أو الغول أن يهاجم الكثيرين من الناس دون أن يستطيع أحد تصويره بالكاميرا ولو لمرة واحدة، كيف لدنجيرة -التي تسكن في حي ما وتذهب للبقالة سابقا- أن تختفي وتموت بمجرد تركيب الكاميرات في محلات التسوق والأماكن العامة، كيف لأحداث كبيرة وعظيمة كانت تسرد علينا تفاصيلها أن تتلاشى وألا نسمع بها الآن.

ببساطة لأن التقنية أصبحت تفضح الكذاب.

حتى المقابر والتي كانت مسرحا أو مأوى لكثير من تلك الكائنات (المرعبة!)، باتت الآن مزروعة بالكاميرات في جميع أركانها ومنتشرة في طرقاتها دون أن يظهر في شيء من تسجيلاتها لا النمنم ولا الغول ولا الدنجيرة، حتى الأطفال لم تعد عقولهم تقبل بمثل تلك (الكائنات) أو القصص المشابهة؛ فبمجرد طرحك لموضوع غريب عليهم يأتيك الرد مباشرة «ما المصدر».

لقد أصبحت التقنية لهم مرجعا ومصدرا لأي شيء.

لكن الجميل من وجهة نظري أن التقنية لم تقتل النمنم فقط، بل ساهمت وبشكل مباشر في تقليص بعض الجرائم والممارسات والظواهر السيئة في المجتمع بنسبة كبيرة جدا؛ فالكل يعرف أن أغلب الأماكن العامة والمحلات التجارية أصبحت مجهزة بالكاميرات، وأصحاب البيوت والعمارات بدورهم وضعوا كاميرات مراقبة في المداخل وبقية المرافق، وفي السيارات ولدى الإناث بالتحديد، الكاميرا حاضرة.

إنها أجهزة لا يبالي بها أصحاب النفوس الطيبة ولا يكترثون لوجودها، لكن من في قلوبهم مرض تجدهم حذرين متخوفين، يعلمون جيدا، أن نهاية أي تهور أو أذية أو حتى استخفاف بالدم، سوف تكون «تم القبض».

صحيح أن التقنية قتلت أمورا سلبية كثيرة، لكنها أيضا قتلت الوقت والمتعة.. ولعل هذا جزء من الضريبة التي يدفعها الإنسان جراء تطوره وتقدمه!

ALSHAHRANI_1400@