إلى أين يذهب السودان ؟

نظارات البجا توقف احتجاجاتها بعد 36 يوما وتعلن تأييدها لتحركات الجيش أمريكا تعلق مساعدات تتجاوز 700 مليون دولار وتؤكد العودة للمربع الأول
نظارات البجا توقف احتجاجاتها بعد 36 يوما وتعلن تأييدها لتحركات الجيش أمريكا تعلق مساعدات تتجاوز 700 مليون دولار وتؤكد العودة للمربع الأول

الثلاثاء - 26 أكتوبر 2021

Tue - 26 Oct 2021

احتجاجات ومظاهرات في الشوارع، عصيان مدني في بعض النقابات، غليان في الأحزاب وفي أوساط المكون المدني، اجتماع طارئ لمجلس الأمن وتنديدات بعودة خارطة الطريق، وتهديد دولي بوقف المساعدات وفي مقدمتها المعونة الأمريكية التي تم تعليقها رسميا، والبالغة 700 مليون دولار.

في المقابل، تطمينات من المجلس العسكري بقيادة عبدالفتاح البرهان، وتأكيدات على أن حالة الطوارئ والفوضى التي تعيشها البلاد مخاض عسير لولادة جديدة لحكومة كفاءات تنهي سلسلة الأزمات الاقتصادية التي تعيشها البلاد الغنية بالمياه والزراعة، والتي توقع خبراء ذات يوم أنها يمكن أن تكون سلة غذاء العالم العربي.

حالة من الضبابية تسيطر على المشهد في السودان وتدفع الكثيرين للتساؤل إلى أين تذهب السودان؟

هل ستتجه إلى التوحد خلف القيادة العسكرية التي تعهدت بالقضاء على الفوضى والانفلات؟ أن تذهب إلى صراع أكبر وتزداد الأوضاع الاقتصادية سوءا؟ أم تدق طبول الحرب الأهلية من جديد؟

تنازلات البرهان

وفي مؤتمر صحفي عقده أمس، قال قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان «إن المكون العسكري في السودان قدم تنازلات على مدار الفترة الماضية لتحقيق طموحات السودانيين».

وأضاف «بعد توقيع الوثيقة الدستورية قدمنا كل التنازلات لتحقيق طموحات وأحلام السودانيين.. وكنا نفكر في العبور سويا مع المكون المدني لتحقيق أحلام الشعب».

ولفت إلى أن العام الجاري شهد حدوث أمور استدعت الوقوف أكثر من مرة، وتحدث عن أن حالة من عدم الثقة سادت في الفترة الماضية، مشيرا إلى أن الأيام الماضية شهدت تحريضا ضد القوات المسلحة.

وشدد على أن استفراد مجموعة بالمرحلة الانتقالية أصبح مهددا لوحدة السودان، كما اتهم مجموعات بأنها أرادت فرض رؤاها على الآخرين، واتهم مجموعات سياسية بالاهتمام بمصالحها فقط دون الانتقال إلى مختلف مناطق السودان لحل مشكلات الشعب.

وأكد أن الجيش قام بمعالجة بعض الأزمات التي أهملتها الحكومة، وتعهد بإعلان هياكل المؤسسات القضائية بما في ذلك مجلس القضاء العالي والمحكمة الدستورية بحلول نهاية الشهر.

وجدد الالتزام باستكمال الانتقال بالتعاون مع القوى المدنية، وشدد على أنه لم يتم إلغاء الوثيقة الدستورية، وإنما جرى فقط تعطيل المواد التي تنص على شراكة.

وشدد على أن رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك ليس معتقلا ولا مختطفا، وإنه فور استقرار الأمور سيعود حمدوك إلى منزله، وأضاف «خشينا عليه... ونقلناه لقصر الضيافة وجلست معه في المنزل أمس، لم يتم اختطافه ولا اعتقاله، ونأمل أن يستمر دعمه للفترة الانتقالية، وأشاد بالجهود التي بذلها حمدوك، وقال «إن القوى السياسية كانت تكبله في عمله».

وفيما يتعلق ببقية المسؤولين الموقوفين، قال «إنه سيتم تصنيف المعتقلين وأن من توجد عليه تهمة جنائية سيتم تقديمه للعدالة».

دعم للجيش

اعتبرت التيارات التي تنادي بضرورة إحكام الجيش السوداني القبضة لوقف الفوضى، ما حدث انتصارا كبيرا، ورحبت بما قاله قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، إن التحرك العسكري استجابة لمطالب الشعب، لاستشعار القوات المسلحة الخطر، ما دفعها إلى اتخاذ قرار بتصحيح مسار الثورة.

وأعلن مجلس نظارات البجا القبلي الذي يغلق منذ 36 يوما، مرفأ بورتسودان الرئيس في شرق البلاد، تأييده لتحركات القوات المسلحة. وقال المجلس، الذي دعا إلى حل حكومة حمدوك وتشكيل حكومة عسكرية، وطالب بتعليق بنود تخص المنطقة الشرقية في اتفاق السلام بين الخرطوم وحركات متمردة في جنوب السودان، في بيان «إنه يؤيد إجراءات الجيش، وينحاز إلى مطالب الشعب».

وأيد حاكم دارفور المتمرد السابق، مني أركو مناوي، قرارات البرهان، وذلك بعد تلويح فصيله المسلح خلال مشاركته في اعتصام بدأ منذ 8 أيام في محيط القصر الجمهوري باقتحام العاصمة الخرطوم بقوة السلاح إذا لم تحل حكومة حمدوك وتشكيل حكومة كفاءات بمشاركة سياسية أوسع لكل مكونات المجتمع.

المربع الأول

على الجانب الآخر، تزايدت التنديدات الدولية بحملة الاعتقالات التي جرت أمس الأول، قال مراقبون «إن السودان عاد إلى المربع الأول بعد حل مجلس السيادة، وإقالة حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وإعلان حالة الطوارئ، وخروج آلاف السودانيين في تظاهرات في الشوارع، تلبية لدعوة قوى الحرية والتغيير بإعلان العصيان المدني».

ويرى مراقبون أنه مع إعلان الطوارئ، فإن التوقعات تشير إلى صدامات دموية، بدأت شرارتها بعد ساعات من إعلان الإجراءات الجديدة، ومن التحديات أيضا دعوة قوى التغيير جماهيرها إلى إعلان حالة العصيان المدني، الأمر الذي بإمكانه أن يشل حركة البلاد ويؤثر على اقتصادها الهش أصلا».

و أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية وفاة شخص أمس متأثرا بجروحه، إثر تعرضه وآخرين لإطلاق الرصاص خلال الاحتجاجات ليرتفع عدد القتلى المؤكد إلى 4 في حين أشارت جهات أخرى إلى 7 قتلى بين المتظاهرين إضافة إلى عشرات المصابين.

مؤامرات متبادلة

وكشفت صحيفة «العرب» الدولية عن مؤامرات متبادلة بين المكونين العسكري والمدني، ونقلت عن مراقبين أن المكونين كانا يخططان بشكل منفصل للاستفادة من الظروف المحلية والخارجية لوضع اليد على السلطة في السودان بالتزامن مع نهاية المرحلة الانتقالية، وأن كل طرف يعتبر نفسه صاحب الفضل في إسقاط النظام السابق ويجهز للتخلص من شريكه الانتقالي بافتعال أزمات أو المساهمة في تغذية الخلافات بهدف إفشال الاتفاقيات التي تم توقيعها مع المجموعات العرقية والعسكرية، واتهام الآخر بالمسؤولية عن الفشل.

وأكدت أن الجيش السوداني حسم صراعات وانقسامات الفترة الانتقالية بإعلان قائده الفريق أول عبدالفتاح البرهان جملة من القرارات الاستثنائية، أنهت الشراكة مع المكون المدني وفتحت الطريق أمام بدء مرحلة لانتقال سياسي جديد، مشيرة إلى أن الخطوة جاءت وسط حالة من التشظي خيمت على القوى المدنية لصالح ترسيخ نفوذ العسكريين على رأس السلطة انتظارا لما ستؤول إليه الأوضاع في الشارع.

انقسام الشارع

ووسط الانقسام الكبير الذي يعيشه الشارع، أكد الخبير الاستراتيجي الرشيد محمد إبراهيم عبر قناة (سكاي نيوز عربية) أن انقسام الشارع وتفتت قوى الحرية والتغيير دفعا المكون العسكري إلى اتخاذ قرارات استثنائية بالتزامن مع إجراءات أمنية صارمة ستكون أكثر حسما في تفريق المظاهرات التي اندلعت.

وأضاف «الشارع سيمتص صدمة القرارات بعد أن عانى من ويلات الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية، ووضع توقيتات زمنية محددة لتشكيل المجلس التشريعي والحكومة الجديدة في غضون الشهر المقبل سيسهم في تهدئة الأجواء وعودة مؤسسات الدولة إلى العمل بصورة طبيعية».

وينتظر المتابعون أن تنعكس القرارات الجديدة على علاقات السودان الخارجية، خاصة الموقف من اتفاق السلام مع إسرائيل، لكن قناة (الحرة) الأمريكية استبعدت تضرر الاتفاق الإبراهيمي، من قرارات الجيش السوداني، وأكد أن دبلوماسيا سودانيا بارزا قال «ليس من المتوقع أن تؤثر الأحداث الأخيرة بشكل كبير على خطط تطبيع العلاقات مع إسرائيل».

مشاهدات سودانية

  • ترقب وقلق لدى دول الجوار (مصر، ليبيا، إثيوبيا، تشاد) خشية استغلال بعض الإرهابيين الوضع الحالي.

  • الخارجية الأمريكية تعلق مساعدات للسودان من المخصصات الطارئة تبلغ قيمتها 700 مليون دولار.

  • 7 قتلى و140 مصابا وفقا لإحصائية أولية للاحتجاجات التي شهدتها مناطق مختلفة بالسودان.

  • بعثت وزيرة الخارجية في الحكومة الانتقالية السودانية مريم الصادق، برسالة إلى نظرائها في الدول الأفريقية والعربية والغربية، أبلغتهم فيها أن »رئيس الحكومة الشرعي عبدالله حمدوك وأعضاء حكومته في مكان غير معلوم«.

  • أعرب اتحاد المحامين العرب عن قلقه إزاء تطورات الأوضاع في السودان، داعيا كل الأطراف إلى الالتزام بالحوار.


غضب دولي

ولاقت القرارات الأخيرة تنديدات دولية واسعة ودعوات للإفراج الفوري عن المعتقلين والعودة السريعة للحوار والحفاظ على استقرار البلد الأفريقي الذي يأن تحت وطأة أزمات اقتصادية كبيرة، حيث طالب بيان أمريكي بريطاني نرويجي مشترك، قوات الأمن السودانية إلى الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين، وأعربت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج في البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، عن قلقهم بشدة بشأن ما وصفوه بـ»الانقلاب العسكري» في السودان، وإدانة تعليق عمل مؤسسات الحكومة.

وعقد مجلس الأمن اجتماعا طارقا مغلقا أمس بناء على طلب 6 دول غربية هي المملكة المتحدة وأيرلندا والنرويج والولايات المتحدة وإستونيا وفرنسا.

مشهد معقد

ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية سعيد صادق، أن اجتماع مجلس الأمن سيكون بداية خلية أزمة من قبل مجموعة أصدقاء السودان، مشيرا إلى تعقيدات المشهد وزيادة الأعباء والضغوطات على المجلس العسكري خاصة بعد مكاسب حققتها الحكومة الانتقالية التي جعلت تحقيق الاستقرار السياسي والأمني وإنقاذ الاقتصاد المتهالك أولوية قصوى لديها، فوقعت اتفاق سلام تاريخي في جوبا طوت عبره صفحة الحرب إلى غير رجعة، وتوصلت بعد حوار طويل مع الإدارة الأمريكية إلى تسوية مالية، مهدت لصدور قرار رفع السودان من قائمة الإرهاب.

وأشار إلى احتمالية أن يعلق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان حتى عودة الحكم للمدنيين، ما قد يؤدي إلى عزلة البلد الأفريقي الذي ما لبث أن عاد إلى أحضان المجتمع الدولي بعد 30 عاما من حكم تنظيم الإخوان الإرهابي وممارساته التي عزلته دوليا وحتى عربيا. ولفت إلى أن العقوبات تستهدف بالأساس عدم حياد السودان وردته مرة أخرى إلى أحضان الإسلام السياسي الذي أنهك البلاد ووضعها على قوائم الإرهاب لعقود طويلة.