شاهر النهاري

أحلام التطبيع وآفاته ومعيقاته

الاثنين - 25 أكتوبر 2021

Mon - 25 Oct 2021

يظل التطبيع مع الدول العربية حلما لدولة إسرائيل، رغبة منها في التواصل مع محيطهم، والارتياح النفسي من الشد والخوف والضيق، الذي تعيشه أجيالهم بين التحديات العميقة، والتي تراكمت عقودا من قطيعة نشأت منذ تكوين الكيان الإسرائيلي 1948م، وحتى وإن تخيلت أنها قد تعدت القطيعة بمعاهدات حكومية مثل معاهدة «كامب ديفيد» مع مصر، إلا أنها تظل تصطدم بيقين الشعوب العربية، التي ترفض رفضا قاطعا أي نوع من التطبيع، وبوعي الشارع العربي، الذي يدرك نوايا إسرائيل وأطماعها.

تطبيع حدث في مصر والأردن، وظل حبرا على ورق، وتبع ذلك مؤخرا تطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، ولكن الأمر يظل في كينونة الأحلام، التي لا تتحقق إلا ضمن المؤتمرات والأحاديث الإعلامية وعلى مواقع التواصل.

إسرائيل تمني الدول الخليجية بأنها ستقف معهم ضد إيران، وهذا أمر هي أحوج به من أي دولة خليجية، لأن خطر صواريخ إيران البالستية، وأذرعها، وقرب صنعها للنووي، يهدد وجودها.

ولكن إسرائيل تريد من الدول العربية أكثر بكثير مما ستعطيها، والخطة الصهيونية أذكى بكثير مما يظهر، فالأموال الإسرائيلية، تتمنى شراء الأراضي والسماء والبحار العربية، وامتلاك الشركات، والمصانع، وجعلها إسرائيلية السيطرة، وتخدم الخطة الصهيونية العالمية.

شعار إسرائيل التنمية، ولكنها تعلم أن الشعوب العربية تدرك، وتمانع، وتصد، فلن تسمح بتكوين مستعمرات يهودية عنصرية وسط العواصم العربية، ليكون لها واقع وقيمة، وتأثير حتى على قرارات الحكومات المخدوعة.

حياة احتلال بمثل ما يوجد في فلسطين، ولكنها لن تمكنهم من حرية ولا أمن ولا سلام، وسيظل أفرادها يجولون بأسلحتهم حول مستعمراتهم، لمعرفتهم بأن الشعوب العربية، حتى وإن حدث التطبيع، لن تقبل بهم، وبما يخططون له، ويمكرون.

حركات فردية يقوم بها بعض طالبي الشهرة المختلين، فنرى سياحا إسرائيليين يتعمدون الظهور بهيئة رجال الدين اليهودي وهم يتجولون بعواصم خليجية، وكأن التطبيع واقعا، وهم وحتى في الدول المطبعة يشعرون بالرعب، ولا يمكن أن يختلطوا بالشعوب، إلا تحت حماية مشددة، وفي النهاية سيعرفون، أن التطبيع وهم، ما لم يتم بطرق عقلانية تحفظ للعرب حقوقهم، ولا تعطي الخيط والمخيط لأموال يهودية خبيثة، لن تلبث لو تمكنت أن تطرد أهل البلدان الأصلية، لتحتل مساحات تكفي مستعمراتها، وأن يسمح لهم فيها بحمل السلاح، لحماية أنفسهم ليل نهار.

ماذا استفادت إسرائيل من التطبيع مع الدول الخليجية والعربية مؤخرا؟

والجواب: لا شيء سوى الظهور الإعلامي، وحكايات ومقاطع مواقع التواصل، وكلمات ترحيب مقتضبة من مسؤولي تلك الدول، ولكن الطرق بعد ذلك تشوب، وتقفل أبوابها، فالشعوب، وحتى إن صمتت فترة من الزمان، فهي الفاعلة في النهاية، وهي من يرضى ومن يقرر أن يمتنع عن التطبيع.

الظلم الذي نراه في فلسطين يعطينا الصورة الأصدق لما هو متوقع بتطبيع الغفلة، ولا يمكن أن يتم دون رجوع لمبادرة السلام العربية، التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز سنة 2002م، بهدف إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967م عاصمتها القدس، وعودة اللاجئين وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل، ولن يكون للتطبيع طعم ولا وجود بدون التوازن والوعي وحفظ القيمة.

shaheralnahari@