عبدالمولى زهيميل

كل الناس

السبت - 23 أكتوبر 2021

Sat - 23 Oct 2021

(كل الناس) جملة يرددها كثير من الناس؛ لتبرير قراراتهم بغض النظر عن صوابها، (كل الناس) أصبحت مرجعا عند الكثير صغارا وكبارا، ذكورا وإناثا، يتخذونها حجة ويقدمونها دليلا ويتناقلونها حقيقة، بعدها ينتهي النقاش، وتوضع النقاط، وتكمم الأفواه.

(كل الناس) كم حلم حطمت، وكم هدفا أزهقت، وكم حياة دمرت وكم خطة بعثرت، (كل الناس) بها صودر الرأي، وسلبت الذات، وتعطل التفكير تحت هيمنة جملة (كل الناس).

ألهذه الدرجة خطورة جملة (كل الناس)!؟ نعم يا صديقي.

فكم بيننا من حالم تخلى عن حلمه، وصاحب هدف أوقف السير نحوه، وحياة مستقرة تداعت أركانها وسقط سقفها، وخطة ماتت في مهدها ولم تر النور، وكانت جملة (كل الناس) سيدة الموقف.

جملة كل الناس -يا سيدي- ليست مجرد جملة ولم تأت من فراغ إنها لغة التفكير السائدة بين أفراد المجتمع، إنها لغة التفكير التي نمطت المجتمع بنمط واحد فهم أخوة أشقاء بالتفكير لا تكاد تلمح بينهم ما يميزهم عن بعضهم البعض؛ فالسلوكيات متشابهة، والأفكار متقاربة، تشابهوا في السكن والملبس والمأكل والمشرب تشابهوا في تربية أبنائهم، تشابهوا في مصادر دخلهم. (كل الناس) لم تستثن أحدا صغارا وكبارا ذكورا وإناثا، فإن اختلفت الأعمار والسلوكيات بقي المبرر واحد.

(كل الناس) بحر متلاطم غرق في جوفه الفرد فلم يعد له قرار وليس له اختيار ولا لرأيه اعتبار، يتكلم بلسان قومه، ويفكر بتفكيرهم.

ياليت قومي يرجعون لقول المولى عزو وجل في وصف الأغلبية فقد قال عنهم المولى عزوجل: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (سورة الأعراف آية ١٨٧) وفي (سورة البقرة آية ٢٤٣) قوله تعالى: (ولكن أكثر الناس لا يشكرون) وفي سورة هود آية ١٧: (ولكن أكثر الناس لا يؤمنون)، وفي سورة الإسراء آية ٨٩: (فأبى أكثر الناس إلا كفورا) وغيرها كثير من آيات القرآن الكريم التي تدل على ظلال معيار الأكثرية والتي عبر عنه المقال بـ (كل الناس) لقد سقط هذا المعيار سقوطا مدويا أمام آيات القرآن الكريم؛ فما آن الأوان أيها المبارك أن تعيد النظر في قرارتك بعد أن تمررها على تفكيرك الناضج وتمهرها بهويتك الشخصية لتنسجم مع واقعك وتتناغم مع قدراتك وتعانق بها طموحاتك وتحقق بها أهدافك وتتميز عن غيرك فتكون أنت أنت، وليس أنت وكل الناس سواء.