خبايا التحرش
الأربعاء - 20 أكتوبر 2021
Wed - 20 Oct 2021
أشرت في مقال سابق عن أهمية كفتي الميزان لمشكلة التحرش بتطبيق القوانين الرادعة وكفة التوعية وخطر الجهل بخبايا هذه القضية في مختلف الأماكن سواء العامة أو المنزل أو المدرسة أو العمل لكلا الجنسين وبأي الأعمار خاصة الأطفال.
قبل سنوات أعرف امرأة تبدلت أحوالها فجأة وباحت لي أن ابنها ذو 11 سنة ذهب كعادته لمنزل معلمه أوصله والده، لكنه كان مستعجلا فأنزله قبل وجهته بخطوتين وعاد لأخذه بالموعد المعتاد، فلم يجده وحين سأل معلمه اكتشف أنه لم يحضر للدرس، وبحث عنه إلى أن وجده يجلس على أحد الأرصفة تائها هائما مذهولا مطأطئ الرأس، وحين سأله وألح عليه انفجر باكيا ليخبره أن شابا هدده بسكين في خصره للصعود لأعلى العمارة وانتهك عرضه.
الأب فضل السكوت والتكتم وعدم إخبار الشرطة بحجة أن هذه علة منتشرة ولن يقبضوا على الشاب فضلا عن العار والخزي اللذين سيلحقانه والأسئلة التي لا داعي أن يدخل فيها ابنه حسب رأيه وقراره.
يا ترى ما هو رأي الطفل الضحية وهو يعرف أن المعتدي عليه سيفر من قبضة العدالة؟ وربما يستمر في غيه ويمسك بالثاني والثالث.. لا أحد يعلم متى تنزل الهداية عليه! ثم يمارس حياته الطبيعية!
هناك الكثير من حالات التحرش المسكوت عنها ولا يتم التبليغ عنها، وكثير منها حتى الأهل ربما لا يعلمون بوجودها، وكثير منها مصدره الثقة العمياء المفرطة بالأقارب أو الخادمة أو السائق أو بذهابهم لأماكن آمنة حسب اعتقادهم.. إلخ، وكلما صغر العمر أو كان ذا احتياجات خاصة، تتعاظم المخاطر.
كيف سيخبر المراهق أهله إن وقع تحت فريسة متحرش استغل سذاجته وهدده بصور فاضحة له، في غياب الاحتواء والحوار أو حالة الشدة في التربية!
كثير ما يحدث الاعتداء وينعقد لسان الضحية، خوفا من الأهل والمجتمع أو سيطرة المتحرش، وقد يعاني ولا أحد يشعر به، وبذاكرة ستحمل صورا ربما ستؤثر عليه طويلا ويختلف وقع هذا الأمر حسب شخصية المعتدى عليه.
تحطيم أصنام وخبايا قضية التحرش يحتاج كثيرا من الجهد والوعي المجتمعي التراكمي؛ فمثلا الجهل من أكثر أسباب السكوت عن التحرش، الجهل ليس وصفا لمستوى تعليمي بل الجهل بضروب عدة منها: بالقوانين وكيف تبلغ والإجراءات السرية التي تلف مثل هذه القضايا، والجهل بأهمية المراقبة والمتابعة لدور الرعاية للأيتام أو ذوي الاحتياجات الخاصة ومن في حكمهم، وجهل الضحية بآلية وقف المجرم المتحرش ذكرا أو أنثى عند حده لكي لا يتمادى أو محاسبته، وفق فهم الدوافع ودرجة التحرش، الجهل بسبل مواجهة تبريرات المجتمع للمتحرشين على أفعالهم القذرة، وعدم التوعية بالاحترام وعدم التعدي على حدود المحيط الشخصي.
ماذا تفعل الضحية وكيف تنقذ نفسها لو كان المعتدي من المحارم أو ذي سلطة أو ولي أمرها ولمن تذهب؟
ماذا عن الأطفال؟ وكيف سيعرفون الفرق بين الاستغلال الجنسي الذي قد يقع تحت طائلته من الملامسة والتقارب الجسدي في ظل ضعف توعيته بالخطوط الحمراء للتقارب. والمراهق كيف سيحدد أن من يطلعه على صور إباحية هو يستهدفه وينتهك براءته، في ظل غياب الثقافة الجنسية والنقاشات حولها في المنزل والمدرسة (بثقافة العيب)، في عالم جن جنونه ويدعو ويروج لثقافة منحرفة على الصعيدين السلوكي والفكري وإن كان الانحراف الفكري أشد فتكا.عالم يزخر بمحتوى وحركات وإيماءات جنسية واستغلال للغرائز والمتاجرة والتسويق والإعلانات القائمة على قيم ساقطة، بعالم يشهر العراة والمتعريين ومن يسقط الحشمة من اعتباراته والراقصين والمتمايلين بابتذال ذكورا وإناثا، عالم ينادي بالحرية الجنسية ويمرر البيدوفيليا (اشتهاء الصغار) والمثلية الجنسية ويحاول أن يقحمها بشكل مباشر وغير مباشر بالأفلام والقصص والوثائقيات.. إلخ حتى شكل الأسرة الطبيعي يسعى لتقبل المجتمعات لنمط آخر مكون من أب وأب أم وأم.. ويظهر الجنس الثالث كأمر طبيعي!
فوق ذاك ينشر العنف الجنسي كثقافة تروج للاغتصاب والضرب والتحرش، شيء مقزز لكنه موجود بكثرة، بمشاهد وأفكار تتسلل بكل مكان حولنا بألعاب الفيديو (الأعزاء المربون والمختصون بعلم النفس والاجتماع، ركزوا في أشكال الشخصيات وأدوارها)، وما يعرض في شاشة التلفاز وأفلام الكرتون فبعض القنوات لا تلقي بالا بالعبارات والكلمات والتصرفات التي تخدش براءة الأطفال، والقنوات المدفوعة أمثال نتفليكس وغيرها وحرية الترويج لأي فكر.
لمن يعتقد أن لا أثر ولا تأثير لكل هذه الفوضى القيمية يكون بعيدا عن الواقع وطبيعة الإنسان وسيتكلف الزمن بتعميق آثاره وأضراره مع تكرارها. هذا كله بجانب والجانب الأدهى والأمر للشبكة المظلمة وخطر (أدراك ويب) حيث ينشط في الخفاء الكثير من الأنشطة غير القانونية وغير الأخلاقية منها تجارة الجنس الإباحية والانحراف الجنسي والعنف.. إلخ.
نحن أمام مشكلة تنخر مجتمعنا بالظلمة، في الغالب لن يخبر الناس بمصداقية لحالات التحرش التي قد تعرضوا لها في مرحلة ما في أي إحصائيات، ولن تستند لأي إحصائيات تعكس الواقع عن مدى انتشارها، فأعداد المبلغين مثلا لن تبين أعداد الصامتين، وفي الحقيقة بما نحمله من موروث وأسباب اجتماعية كالشعور بالخزي والعار الذي يطال الشخص المعتدى عليه أو العائلة، تكون سببا للصمت فيسكت ولا يشتكي خوفا وانصياعا لمثل هذه الأسباب، وتعيق في كثير من الأحيان عن ملاحقة المتحرش، لا نلومهم فليس سهلا ولكل جرم قصته، ولكن بشكل عام السكوت والصمت يعظم مشكلة التحرش، ويسمح للمتحرش أن يعوث في الأرض فسادا ويجد في نفسه القدرة على تصيد الفرائس.
نحتاج الكثير لنحد من خطر ظاهرة التحرش ونساعد من مر بها أن يتخطها وندعمهم حسب احتياجهم ونحافظ على سلامة المجتمع من انتشارها ومحاربة دوافعها وتفكيك المفاهيم الخاطئة، وإيجاد المؤسسات المجتمعية التي تقف وتواكب أخطار الانحرافات السلوكية والفكرية، والتنويع في أدوراها وألا يقتصر على جانب وتترك جوانب أخرى.
أختم بالتحذير من حسن النية والطيبة المفرطة وزيادة الثقة وتقييم الناس بأشكالهم والظاهر منهم، هناك شعرة بين تغليب حسن الظن وبين الثقة وترك الأخذ بالحيطة والحذر.
AlaLabani_1@
قبل سنوات أعرف امرأة تبدلت أحوالها فجأة وباحت لي أن ابنها ذو 11 سنة ذهب كعادته لمنزل معلمه أوصله والده، لكنه كان مستعجلا فأنزله قبل وجهته بخطوتين وعاد لأخذه بالموعد المعتاد، فلم يجده وحين سأل معلمه اكتشف أنه لم يحضر للدرس، وبحث عنه إلى أن وجده يجلس على أحد الأرصفة تائها هائما مذهولا مطأطئ الرأس، وحين سأله وألح عليه انفجر باكيا ليخبره أن شابا هدده بسكين في خصره للصعود لأعلى العمارة وانتهك عرضه.
الأب فضل السكوت والتكتم وعدم إخبار الشرطة بحجة أن هذه علة منتشرة ولن يقبضوا على الشاب فضلا عن العار والخزي اللذين سيلحقانه والأسئلة التي لا داعي أن يدخل فيها ابنه حسب رأيه وقراره.
يا ترى ما هو رأي الطفل الضحية وهو يعرف أن المعتدي عليه سيفر من قبضة العدالة؟ وربما يستمر في غيه ويمسك بالثاني والثالث.. لا أحد يعلم متى تنزل الهداية عليه! ثم يمارس حياته الطبيعية!
هناك الكثير من حالات التحرش المسكوت عنها ولا يتم التبليغ عنها، وكثير منها حتى الأهل ربما لا يعلمون بوجودها، وكثير منها مصدره الثقة العمياء المفرطة بالأقارب أو الخادمة أو السائق أو بذهابهم لأماكن آمنة حسب اعتقادهم.. إلخ، وكلما صغر العمر أو كان ذا احتياجات خاصة، تتعاظم المخاطر.
كيف سيخبر المراهق أهله إن وقع تحت فريسة متحرش استغل سذاجته وهدده بصور فاضحة له، في غياب الاحتواء والحوار أو حالة الشدة في التربية!
كثير ما يحدث الاعتداء وينعقد لسان الضحية، خوفا من الأهل والمجتمع أو سيطرة المتحرش، وقد يعاني ولا أحد يشعر به، وبذاكرة ستحمل صورا ربما ستؤثر عليه طويلا ويختلف وقع هذا الأمر حسب شخصية المعتدى عليه.
تحطيم أصنام وخبايا قضية التحرش يحتاج كثيرا من الجهد والوعي المجتمعي التراكمي؛ فمثلا الجهل من أكثر أسباب السكوت عن التحرش، الجهل ليس وصفا لمستوى تعليمي بل الجهل بضروب عدة منها: بالقوانين وكيف تبلغ والإجراءات السرية التي تلف مثل هذه القضايا، والجهل بأهمية المراقبة والمتابعة لدور الرعاية للأيتام أو ذوي الاحتياجات الخاصة ومن في حكمهم، وجهل الضحية بآلية وقف المجرم المتحرش ذكرا أو أنثى عند حده لكي لا يتمادى أو محاسبته، وفق فهم الدوافع ودرجة التحرش، الجهل بسبل مواجهة تبريرات المجتمع للمتحرشين على أفعالهم القذرة، وعدم التوعية بالاحترام وعدم التعدي على حدود المحيط الشخصي.
ماذا تفعل الضحية وكيف تنقذ نفسها لو كان المعتدي من المحارم أو ذي سلطة أو ولي أمرها ولمن تذهب؟
ماذا عن الأطفال؟ وكيف سيعرفون الفرق بين الاستغلال الجنسي الذي قد يقع تحت طائلته من الملامسة والتقارب الجسدي في ظل ضعف توعيته بالخطوط الحمراء للتقارب. والمراهق كيف سيحدد أن من يطلعه على صور إباحية هو يستهدفه وينتهك براءته، في ظل غياب الثقافة الجنسية والنقاشات حولها في المنزل والمدرسة (بثقافة العيب)، في عالم جن جنونه ويدعو ويروج لثقافة منحرفة على الصعيدين السلوكي والفكري وإن كان الانحراف الفكري أشد فتكا.عالم يزخر بمحتوى وحركات وإيماءات جنسية واستغلال للغرائز والمتاجرة والتسويق والإعلانات القائمة على قيم ساقطة، بعالم يشهر العراة والمتعريين ومن يسقط الحشمة من اعتباراته والراقصين والمتمايلين بابتذال ذكورا وإناثا، عالم ينادي بالحرية الجنسية ويمرر البيدوفيليا (اشتهاء الصغار) والمثلية الجنسية ويحاول أن يقحمها بشكل مباشر وغير مباشر بالأفلام والقصص والوثائقيات.. إلخ حتى شكل الأسرة الطبيعي يسعى لتقبل المجتمعات لنمط آخر مكون من أب وأب أم وأم.. ويظهر الجنس الثالث كأمر طبيعي!
فوق ذاك ينشر العنف الجنسي كثقافة تروج للاغتصاب والضرب والتحرش، شيء مقزز لكنه موجود بكثرة، بمشاهد وأفكار تتسلل بكل مكان حولنا بألعاب الفيديو (الأعزاء المربون والمختصون بعلم النفس والاجتماع، ركزوا في أشكال الشخصيات وأدوارها)، وما يعرض في شاشة التلفاز وأفلام الكرتون فبعض القنوات لا تلقي بالا بالعبارات والكلمات والتصرفات التي تخدش براءة الأطفال، والقنوات المدفوعة أمثال نتفليكس وغيرها وحرية الترويج لأي فكر.
لمن يعتقد أن لا أثر ولا تأثير لكل هذه الفوضى القيمية يكون بعيدا عن الواقع وطبيعة الإنسان وسيتكلف الزمن بتعميق آثاره وأضراره مع تكرارها. هذا كله بجانب والجانب الأدهى والأمر للشبكة المظلمة وخطر (أدراك ويب) حيث ينشط في الخفاء الكثير من الأنشطة غير القانونية وغير الأخلاقية منها تجارة الجنس الإباحية والانحراف الجنسي والعنف.. إلخ.
نحن أمام مشكلة تنخر مجتمعنا بالظلمة، في الغالب لن يخبر الناس بمصداقية لحالات التحرش التي قد تعرضوا لها في مرحلة ما في أي إحصائيات، ولن تستند لأي إحصائيات تعكس الواقع عن مدى انتشارها، فأعداد المبلغين مثلا لن تبين أعداد الصامتين، وفي الحقيقة بما نحمله من موروث وأسباب اجتماعية كالشعور بالخزي والعار الذي يطال الشخص المعتدى عليه أو العائلة، تكون سببا للصمت فيسكت ولا يشتكي خوفا وانصياعا لمثل هذه الأسباب، وتعيق في كثير من الأحيان عن ملاحقة المتحرش، لا نلومهم فليس سهلا ولكل جرم قصته، ولكن بشكل عام السكوت والصمت يعظم مشكلة التحرش، ويسمح للمتحرش أن يعوث في الأرض فسادا ويجد في نفسه القدرة على تصيد الفرائس.
نحتاج الكثير لنحد من خطر ظاهرة التحرش ونساعد من مر بها أن يتخطها وندعمهم حسب احتياجهم ونحافظ على سلامة المجتمع من انتشارها ومحاربة دوافعها وتفكيك المفاهيم الخاطئة، وإيجاد المؤسسات المجتمعية التي تقف وتواكب أخطار الانحرافات السلوكية والفكرية، والتنويع في أدوراها وألا يقتصر على جانب وتترك جوانب أخرى.
أختم بالتحذير من حسن النية والطيبة المفرطة وزيادة الثقة وتقييم الناس بأشكالهم والظاهر منهم، هناك شعرة بين تغليب حسن الظن وبين الثقة وترك الأخذ بالحيطة والحذر.
AlaLabani_1@