ماذا بقي من ثورة الياسمين التونسية؟

نيويورك تايمز: تدمير النصب التذكاري للشهداء دون أن ينتبه أحد مراقبون: الإخوان خطفوا الانتفاضة عبر الابتزاز والتحريض السيفي: ننتظر وعد الرئيس بمحاكمة القتلة وتعويض العائلات جنيحي: الثورة لم تترك لنا إلا الحسرة.. ليتها ما قامت طاهري: القادة المتتابعون انشغلوا بإثراء أنفسهم وأصدقائهم
نيويورك تايمز: تدمير النصب التذكاري للشهداء دون أن ينتبه أحد مراقبون: الإخوان خطفوا الانتفاضة عبر الابتزاز والتحريض السيفي: ننتظر وعد الرئيس بمحاكمة القتلة وتعويض العائلات جنيحي: الثورة لم تترك لنا إلا الحسرة.. ليتها ما قامت طاهري: القادة المتتابعون انشغلوا بإثراء أنفسهم وأصدقائهم

الثلاثاء - 19 أكتوبر 2021

Tue - 19 Oct 2021

بعد مرور عقد كامل على «ثورة الياسمين» ماذا تبقى في ذاكرة التونسيين؟ هل كان ربيعا حقيقيا جاء بالتغيير على شعب طامح في حياة أفضل، أم خريفا عاصفا خلف أتربة وغبارا لم ينجح بعضهم في تجاوزه حتى الآن؟

أسئلة مهمة طرحتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بالتواكب مع مرور 10 سنوات على الثورة التونسية، أشارت إلى تدمير نصب تذكاري لشهداء 2011 في مدينة الكرم دون أن ينتبه البعض، وكأن «لا أحد لديه الرغبة في تذكر الثورة».

ونقلت عن بعض سكان بلدة الكرم أن من دمر النصب «يعاني من مرض عقلي، أو كان مخمورا»، لكنها أشارت إلى أن لا أحد منهم اهتم بإصلاح الضرر، في مؤشر على موت جميع الذكريات التي ارتبطت بثورة الياسمين التي فجرت عددا من الثورات العربية في مصر وليبيا وسوريا وغيرها من الدول.

ولفتت إلى أنه في 14 يناير المقبل تحل الذكرى الحادية عشرة لإنهاء حكم زين العابدين بن علي، لكن لم يكن هناك احتفاء رسمي، بل المزيد من الاحتجاجات على التدهور الاقتصادي الذي لن ينتهي قريبا.

خيبة أمل

وفيما يرى المواطن التونسي أيمن طاهري أنه لا أحد يهتم بالمكان الذي شهد تدمير نصب شهداء ثورة يناير، ويقول «في العام الأول كان هناك نوع من الدعم من الجميع، لكنه تلاشى بعد ذلك»، قالت الصحيفة إنه بعد عقد من الزمن يتذكر التونسيون انتفاضتهم التي قلبت المنطقة رأسا على عقب، وأصبحت تعرف بـ»الربيع العربي».

وذكرت أن الندم أصبح منتشرا أكثر من الذكرى، ويعتبر التونسيون، أن الانتفاضة لم تحقق إلا القليل من الآمال التي انتظرها الشعب، من تساوي الفرص، إلى المساءلة، ووضع حد للفساد. وأشارت إلى أن «هذا العقد من خيبة الأمل في قادتهم المنتخبين هو سبب دعم عدد من التونسيين لقرارات يوليو الماضي، عندما علق الرئيس قيس سعيد عمل البرلمان، وتولى السلطة، مما أدى إلى أزمة سياسية لا تزال تسيطر على البلاد».

متحف التاريخ

ويبدو أن ثورة الياسمين التونسية دخلت متحف التاريخ كما يؤكد طاهري، الذي يقول «باتت من التاريخ، ونحن نتقدم للأمام الآن».

عمل طاهري مع عماله على تنظيف الدوار من أعقاب السجائر، وري الأعشاب، لم يطلب أحد منه ذلك، «لكن البلدية لا مال لديها، ولا أحد لديه الإرادة». وقال «لم أفكر أنني أشرف الشهداء، وهذا لا يعني التقليل من تضحياتهم»، وأضاف «في2011، جعل قمع ابن علي وفساده من الثورة أمرا لا مفر منه».

وقالت الصحيفة إن تونس تفتقر لنصب تحتفل بمن أسقط ابن علي، ويبرر المسؤولون ذلك بأن إنشاء نصب تذكاري مرهون بمصادقة الحكومة على قائمة القتلى والجرحى.

وأشارت إلى أن بعض النصب التذكارية الموجودة، وضعتها السلطات المحلية بمبادرات منها أو على حساب عائلات الضحايا.

ذاكرة الثورة

ويؤكد رئيس بلدية الكرم فتحي لعيوني «لسنا مهتمين بالقائمة الرسمية المفصلة ونعرف شهداءنا جيدا، وقمنا بالمبادرة لتخفيف معاناة العائلات وآلامها».

وذكرت الصحيفة أن هناك خلافا على ذاكرة الثورة، حيث أمضت هيئة الحقيقة والكرامة التونسية المستقلة سنوات في جمع الأدلة على الجرائم في ظل نظام زين العابدين بن علي وسلفه الحبيب بورقيبة، لكنها وجدت نفسها أمام عراقيل لمحاكمة الجناة.

بعد إزالته في 2011، أعيد تمثال بورقيبة المنتصر على حصان في 2016 إلى شارع يحمل اسمه وسط مدينة تونس، الشارع نفسه الذي هتف فيه آلاف التونسيين لابن علي «ارحل!».

ولا يعرف أحد أن الساحة القريبة من التمثال، يفترض أن تسمى بساحة 14 يناير 2011.

الحنين للديكتاتور

وتقول الصحيفة «سيكون من السهل لوم المتعاطفين مع النظام السابق على ذلك، لكن يبدو أن عددا من التونسيين يحنون إلى ديكتاتورهم السابق أكثر بكثير من الحنين إلى الثورة التي أطاحت به».

وتؤكد سندس كوني من صفاقس، وسط شرق «لو استمر ابن علي بالحكم بالطريقة نفسها التي حكم بها في سنواته الأولى، لربما بقي»، ولم تشارك كوني في أحداث 2011، لكنها اقتنعت في النهاية أن على ابن علي الرحيل، وقالت إن من مات في الاحتجاجات «لم يمت عبثا، ولكن ارتكبت أخطاء فيما بعد كان يجب ألا تحدث».

ووفقا لطاهري وآخرين «لم يقم قادة تونس بعد الثورة سوى بإثراء أنفسهم وأصدقائهم، وأن لا أحد يشعر بالمرارة أكثر من عائلات الضحايا».

وقالت سعيدة السيفي، التي قتل ابنها شكري «قمنا به حتى تظل أسماؤهم خالدة». وتحول منزل عائلة السيفي إلى نصب في حد ذاته، حيث تنتشر صور شكري. ورغم أن المنزل مملوك للدولة، علقت العائلة لوحة خارج البوابة تعلن بفخر أنه منزل شهيد ثورة.

ابتزاز إخواني

ويقر التونسيون بخطف جماعة الإخوان الإرهابية لثورة الياسمين، ومحاولة تحقيق مصالحهم على حساب الوطن، مشيرين إلى أنهم اعتادوا على الابتزاز والتحريض الذي قوبل مؤخرا برفض شعبي وحزبي وحقوقي واسع، ويحذر مراقبون من أن استمرار بث الإشاعات وترويج المغالطات حول حقيقة الأوضاع بالبلاد سيكون المسمار الأخير في نعش الإخوان.

وأكدوا أن التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي، قيس سعيد، تندرج في إطار تطبيق الدستور، وتستجيب لإرادة شعبية واسعة، ولا سيما في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واستشراء الفساد والرشوة خلال سنوات حكم الإخوان العجاف.

وعد الرئيس

ورغم محاولات الحكومة إخراجهم منه، إلا أن العائلة تعتبره من حقها، لأنها ضحت بابنها من أجل تونس، وتتوقع من الرئيس سعيد تحقيق ما وعد به سابقا، وتقديم القتلة للمحاكمة وتعويض عائلات المفقودين.

وقالت الوالدة «لا أزال أدعم الثورة، ولكن السنوات الـ10 الماضية كانت فوضى. ونأمل من الرئيس سعيد، أن يحل المشاكل وينقذ البلد ويحقق العدالة».

بدورها تبين عربية جنيحي أن زوجها نوري شارك في الاحتجاجات، بسبب ما عاناه من سوء معاملة من المسؤولين، حيث عنفته الشرطة، وأهين في قاعة البلدية، مضيفة «شوارع الكرم كانت مليئة بالمتضررين مثله».

وأوضحت أنها انضمت للثورة لكنها لم تترك لها إلا الحسرة، وقالت «أتمنى لو أني لم أذهب، وأتمنى لو أن الثورة لم تكن، وفي لحظة تمنيت لو أني لم ألتق بزوجي». وأضافت «كان لدينا أمل وحلم، ولكنه ظل حلما». ورغم كل وعود الثورة التي تبددت، لا يزال طاهري يؤمن بمبادئها.

وقال «أظهرنا أن الشعب هو الذي يملك القوة».