محمد الأحمدي

سوبرمان العدالة والحقيقة الزائفة

الثلاثاء - 19 أكتوبر 2021

Tue - 19 Oct 2021

ما أن انتهى العالم من أعتاب الحرب العالمية الثانية حتى برزت على الساحة منطلقات الفكر النقدي والبرجماتي، ورافقتهما الثورة الإعلامية والتسويقية الضخمة، ولا أرهقكم بالجدل الفلسفي اللا متناه بينهما، ولكن الذي يهمنا في هذه المقالة أنهما تبنتا نظرة مختلفة نحو المبادئ الإنسانية، والقيم الأخلاقية بحيث منحتها صفة التغير، وعدم الاستقرار، وبهذا لا يوجد مفهوم ثابت تحت مظلتيهما؛ فإن أتينا إلى مفهوم الزواج من منظور الرؤيتين النقدية والبرجماتية فإننا نجده مفهوما متغيرا حسب الاتفاق المجتمعي أو المؤسساتي أو الزمني وحتى النفعي، ومن هنا بدأت رحلة ملاحقة مبدأ الاستقرار في جميع المظاهر الحياتية المختلفة السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والتعليمية.

إن إطلاق معنى الاستقرار يعني النماء، والمنافسة، والتأثير على قيم البطل سوبرمان، وادعاءاته؛ ولذا يجب محاربة الاستقرار بكل القوى الخارقة وتحت أي مبرر يكون.

وفي لمحة على التحولات الفكرية التي تضمنتها سلسلة البطل الخارق سوبرمان يتضح التحول القيمي في الأدوار التي تمثلها عبر الإصدارات المختلفة له. كلارك كينت «سوبرمان» الشخصية الخيالية التي ظهرت بمظهر كلاسيكي في الثمانينيات، حيث يجلس مع زوجته، ويظهر الرعاية الأبوية، والاهتمام بالزراعة، ويرتدي ملابسه الخارقة لينقذ العالم كواجب ومهمة روتينية يقوم بها، تحولت هذه القيمة إلى قيمة شريرة عند سوبرمان، حيث يدمر الجيوش، ويرتدي السواد كعلامة للشر، وتتحول القيمة الأسرية من الزوجة والاستقرار، والزراعة، وتقديم الخدمة، إلى مظهر الصديقة «لويس» الحامل بطفل دون رابطة زوجية؛ ثم يأتي الاعتداء عليها بالقتل، وهنا تثور قوة الغضب في نفس سوبرمان الذي خلفه قتل حبيبته، ليتحول إلى أسطورة وحشية في وجه الظلم من أجل أن ينتقم لتلك القيمة في الاعتداء على صديقته.

وهنا وقفه فلسفية تتفق مع مبادئ التحويلية النقدية التي ترى وجوب تغيير الواقع بسبب وصمه بالظلم، وعدم العدالة، واللا مساواة، وأن هناك طبقة مسيطرة، وأخرى مستضعفه، ولذا يجب تغيير تلك المعادلة من مبدأ تغيير الواقع الظالم الطاغي غير العادل بالقوة والعنف إلى مبدأ تملك زمام السيطرة على ذلك العالم، وترسيخ مبدأ العدالة المزعومة، ومن أجل هذا مد سوبرمان يد التعاون والصداقة لباتمان.

وفي ذات السياق فإن في سلسلة The Boys الذي يعتبر فيها Homelander البطل الخارق، والعدو للزعيم بيلي بوتشر يظهر ملامح التغير القيمي مرة أخرى؛ فمن مبدأ الزوجة إلى مبدأ الصديقة إلى قضية الاغتصاب والحمل والقتل لزوجة الجزار، والذي ظهر بأن الجاني Black Noir النسخة المماثلة للبطل الخارق، والمصنوع لأجل معادلة القوة التي أدت إلى الاشتباك بينهما على أعتاب البيت الأبيض، ويأتي ملمح جدير بالتأمل حينما يرفض ابن هوملاندر أن يكون مثله بطلا وزعيما بسبب اختلافه البيولوجي.

ويظهر التغير والاضطراب المتجذر في أصول النقدية التحويلية واضح المعالم عبر الأدوار المختلفة في سيرة البطل؛ فمن الانتماء إلى كنساس الأمريكية إلى التخلي عن الجنسية الأمريكية ثم العودة إليها مرة أخرى لحب الوطن في فيلم رجل من الفولاذ. وهكذا.

إن سوبرمان الأمل الذي يلهم الإنسانية، وينقذ العالم من الظلم، ويبعث الأمل بقوته الخارقة الدافعة للشر في بداية ظهوره، أو نزعته التعاونية مع باتمان للسيطرة على العالم من أجل تشكيل أنطولوجيا وأبستمولوجيا وقيم تتوافق مع رؤية البطل الخارق الذي يعتقد بأن العالم فاسد، وأنه مركز الإصلاح الوحيد الذي يستطيع نشر السلام فيه منذ الحرب العالمية الثانية التي بزغت فيها القوة الأمريكية على العالم يوحي بالتغير الدائم لجميع المرتكزات الاستقرارية، وأن المفاهيم التي تظهر بشكل عام هي مفاهيم عامة تتشكل قيمها وفق العصر المعاش بما فيها كلمتا العدل والمساواة اللتان ظهرتا في سلسلة سوبرمان؛ فهما مفهومان غير مستقرين يسخران عبر الأجيال لتتناسب مع الوظيفة التسويقية لهما.

واليوم هذان المفهومان يتقاطعان مع المثلية التي تحول فيها سوبرمان من صورة الزوج إلى الصديق إلى الميول المثلي في الإعلان الأخير له الذي حمل شعار «غد أفضل»، لينتقل إلى القوة الناعمة في التأثير بدلا من القوة الضاربة في التغيير. وهذا فيه دليل على تغير القيم في أصل الفلسفتين البرجماتية والتحويلية النقدية التحررية.

أجد بأن الوجه الجديد لسوبرمان يتماشى مع رؤية العالم الغربي الحالية، ويسوق لأيدولوجيته المستقبلية التي باتت تتجذر في كافة مؤسساته من قمة إلى القاع، وأختم لكم بأن عبارة رئيس وزراء بريطانيا المستضيف لقمة الدول السبع في يونيو من هذا العام حينما قال «العالم نسوي» لم تأت بمحض الصدفة، ولكن تقبلها العالم؛ لأنها تجذرت في الأيدولوجيات العالمية، وأصبحت حقيقة مفروضة في كل مناسبة عالمية وفق المفهوم الغربي للنسوية، وستأتي عبارة العالم «شاذ» في قمة من قمم العالم الغربي القادمة.