أحمد الهلالي

السيارة الجديدة بين الطلاسم والفنتازيا!

الثلاثاء - 19 أكتوبر 2021

Tue - 19 Oct 2021

من أحلام اليقظة امتلاك سيارة (بِكر)، سيارة يكون وفاؤها لي، فتجاربي في السيارات المستعملة، أوحت لي بفكرة وفاء السيارة لأول مالك، فتظل ترهق الملاك بعده بأهوالها وأعطالها، ثم يقال إن رائحة السيارة الجديدة تضاعف هرمون السعادة والشعور بالرضا في أعماق صاحبها، وهذا يفسر هبوط سعر السيارة الجديدة بنسبة عالية بعد 1000 كلم، والمؤسف أني لم أكتشف هذه الحقائق إلا مؤخرا حين (انقلبت المعادلة)، وصرنا نبيع عددا من الأراضي لاقتناء سيارة فارهة!

مضيت أفتش مواقع شركات السيارات، فوجدتها متفقة على صناعة الطلاسم، وتعتيم عوالمها، وسرية أثمانها، فيجبرون الحالمين على ملء النماذج بمعلومات كثيرة كي يرسلوا إليك التسعيرة التقريبية، (هذا إن ردوا)! وإن اصطدمت بإعلان في (تويتر)، طلبوا التواصل على (الخاص)، حاولت أن أجمع المعلومات لأبني قرارا مناسبا، فكانت (الشمس أقرب)!

تجولت في الصالات فكانت بداية (الطريق المنحدرة)، حيث قصرت الأسعار سقوف الرغبات، وتنازلت عن بعض المواصفات، وصرفت النظر عن كثير من الماركات، حتى دخلت وكالة متواضعة، فقابلني رجل أعرف ملامحه جيدا لكن كرفتته ولهجته المصرية، وحركاته السريعة أغلقت منافذ التذكر، فسألته عن سيارة، فقال: أي فئة تريد؟ قلت: ما هي فئاتها؟ فقال: (بص حدرتك) هي ست فئات!، فأشرت إلى المعروضة، فقال: هذه هي (خمس الفل) الفئة الثانية، وحين أردت أن أفتح الباب لأتفحصها من الداخل وجدتها مغلقة، فاكتفيت بالتجول حولها!

عاد إلي بعد تلبية نداء (حالم آخر)، فسألته عن الفرق بينها وبين الفئة الثالثة، فأجاب: هذي بدون (تكاية) بين ركاب المقعد الخلفي!، فسألته: بماذا تزيد عن الفئة الأولى؟ فقال: هذه لها منفذ (ولاعة) في الخلف! قلت: والفئة الرابعة؟ قال: (نص الفل) تزيد عن (ربع الفل) الثالثة بانطواء المرايا، وتزيد عنها الخامسة (الفل) بمنفذ USB أما السادسة (فل الفل) فلها مثبت سرعة! فقلت: يا رجل على كل مواصفة صغيرة يزيد السعر بأكثر من 8 آلاف؟! فقال بنبرة حادة: (خذها وألا خلها)! فتذكرت صاحب الملامح، إنه الشاب السبعيني مصلح، تبسمت وقلت: يا مصلح ما هذا؟ فتغيرت ملامحه والتفت خلفه، فاقترب مني وهمس: اسكت، لا تقطع رزقي، قلت ما الأمر؟ فانصرف إلى عميل آخر.

تجولت أفكر، أهذه حقا مواصفات تسوغ زيادات الأسعار؟ من يحدد المواصفات؟ فلو كانت مواصفات جوهرية كقوة أداء المحرك أو استهلاك الوقود لكانت مبررة، لكن التقسيم على أساس اللون أو كماليات يوزعها (الوكيل) على هواه؟! عاد مصلح واقترب مني وقال: قصتي، كلما تقدمت لوظيفة قالوا سنك كبير، فخطر لي تزوير هويتي، وفعلا حصلت على بطاقة (يمنية) وحين اقتربت من النجاح، كشفني أحدهم، فأخذت أوراقي وهربت، ثم تعرفت على مالك هذه الشركة، فاشترط علي (الحلاقة/ والزي/ واللهجة) فما وجدت عن ذلك محيصا!

تجولت معه، وعلى أساس المعرفة قلت: أحلم بسيارة يا مصلح!، قال: (حليلك) لقد ارتقيت مرتقى صعبا، وسلكت سبيلا عسيرا، أخبرني، كم ميزانيتك؟ قلت: خمسون ألفا، فأخذ بيدي وسحبني معه حتى وقفنا أمام ممثل البنك في المعرض، فقال مصلح: كنت أظنه عميلي لكن ميزانيته قالت إنه عميلك: معه خمسون ألف ريال، فاجعلها دفعة أولى أو أخيرة، ثم التفت إلي متسائلا: هل رأيت لونا ورديا في الصالة؟! نظرت إليه مستغربا، فأضاف: تحقيق الأحلام ليست من مهامنا، (واخد بالك يا بو حلم)! ثم انصرف، فنظر إلي ممثل البنك: عزيزي، عليك مديونية، لا تسمح لك بامتلاك هذي السيارة، ابحث عن فئة أقل، ثم غمز، أو انتظر يمكن تلقى (صيدة) من متعثري السداد، وتسلم من الضريبة، فابتسمت وعلى وجهي غشاوة الخيبة، وقلت: (ترى أمزح) وأصلا عندي حساسية من البنزين!

ahmad_helali@