شاهر النهاري

انحراف القوة ينتج منهجيات الفساد

الاثنين - 18 أكتوبر 2021

Mon - 18 Oct 2021

والفساد مفهوم وتفاعل يختلج في جوف الفاسد إما بوعي، أو بتهوين، وبقدرات عظيمة على التماهي والتحايل، واستغلال الثقوب، واستنقاص الآخرين حد إنكار أن لهم عقولا، تُميز، وتشك، وتفضح.

وهو يتعاظم في المناصب العليا، والتميز المجتمعي، وحال نقص صلاحيات القانون الرقابي، وطالما وجد صاحبه أنه محمي باسمه وجماعته وهيئته وتلبسه بالقيم والأخلاق، وانضوائه تحت خيمة فساد كبرى تحميه، وتشاركه لقمة من طرف وليمة عظمى.

الشياطين تظل تسأل صاحب المنصب: ماذا سيفعل حال فقد منصبه، وهل لحظة القدرة تعوَّض؟

الطمع والخوف الإنساني من ألا يكون ما معه كافيا للمستقبل، يجعله يبحث عن أبواب استزادة جديدة، تحلم بالثراء القاروني.

وللفساد حجج ضرورة جاهزة، تنبع من الذات، أو عبر وحي من يزينها للفاسد بشتى المبررات: فأنت محمي بعدم وجود المستمسكات، وعملك قانوني على الورق، والقانون صنع ليختَرق!

وعند نجاح أول عملية فساد، تتخلق للمسؤول أجنحة بهجة، وشعور ثقة بتعاظم السلطة، وتهاون، وبجاحة عين، وبلوغ اعتقاد أن هذا من حقوقه المشروعة، فإن لم يكن فاسدا تنازعت الذئاب ما بين يديه من أموال سائبة.

ومن يعمل بذمة وضمير وحرص، لن يلبث أن يجد نفسه مكروها بين من يعملون معه، وسيعدونه متعنتا غبيا، ولكن، وحال تمكن أحد الفاسدين من إقناعه، سيبش في الوجوه، ويتعلم ترقيص حدقتيه ولسانه بينهم بمنتهى النزاهة، مغتبطا بنتائج الإخفاء والحرفية والتمكن وتقافز أرقام حساباته، وتعاظم أملاكه، وتشتيت الشبهات عنه بتوطين عقود شركات وهمية، لأفراد أسرته القريبة، تعصى على النزاهة.

بعض الفاسدين كان يعيش النزاهة في أوائل خطوات وظيفته، ولكنه ومع تعالي سلالمها، وكثرة صلاحياتها، يكتشف أن الفساد مرحلة لا بد منها، خصوصا لو قام فريق عمله بتسميتها بالنثريات والميزانيات الخاصة، والمكافآت والعمل الإضافي، وغيرها من المسميات المجملة، حتى يصبح ما يجنيه حقا للمتغافل الساهي، وعذرا لمن يخول منحرفا بالتوقيع عنه.

الفساد كيانات سرية منظمة متلاحمة تحمي بعضها، وتحترم نسبة قسمتها، وليس من السهل ترقي فردا جديدا لعضويتها.

ولا بد للفاسد الجديد من ولاء، وإبداع في الترقي والحيل الخفية، لإبعاد الشبهة عن ذاته وعن أعمدة وأوتاد خيمته العظمى، والصمت الرهيب وقت الانكشاف، لمعرفته بقدرات الكيان على انتشاله.

الفاسد رؤية للبعيد، يظل يستزيد في عمر وظيفته القصير السريع، وكم يطالب بالتمديد؛ فاليوم يفرق، والخزائن أبدا لا تشبع.

وقد يعتقد الكثير أن الفساد لا يحصل إلا في حالات الرخاء، والحقيقة أن أشجار زقومه تزدهر في عز الأزمات والضوائق المالية، التي يمر بها الوطن؛ فللشياطين طرق ملتوية تبتكر حسب المستجدات، بالتلاعب في أوراق المدفوعات، وفصل الموظف الكفء، وتوظيف الجاهل الخائن، واختلاق لجان وقرارات لم يكن القانون يسمح بها، وخطط للطوارئ، ومؤتمرات وحفلات ومبادرات، وانتقاء مقاولين يبنون بالبيضة بديلا عن الحجر، وإعطاء التسهيلات لجهات تجيد الرشوة، وجرد المستودعات بلجان خبرة ترقيع، والتخلص من الفائض والرجيع، والرفع بميزانيات وهمية، وتحويل الديون إلى مكاسب للعاملين عليها.

عموم الأوطان تحتاج إلى تكريس التربية الأسرية والتعليمية والمجتمعية ضد الفساد منذ الصغر، ووجود المثل الأعلى، وتطويع الأخلاق، وجعل خدمة الوطن هدفا بحد ذاته، وتقييد كل مسؤول بالرقابة، وكل فهلوي كاشف للفساد فلا يستقوي، ويستغل سلطة التفتيش، في قولبة فساد أكثر حيطة وقوة.

shaheralnahari@