وليد الزامل

استراتيجية عسير نقلة نوعية لاستثمارات حقيقية

السبت - 16 أكتوبر 2021

Sat - 16 Oct 2021

نستبشر خيرا بإطلاق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- لاستراتيجية عسير تحت شعار «قمم وشيم»، وتأتي هذه الاستراتيجية ضمن إطار توجهات الرؤية الوطنية في دعم الاستثمار السياحي للاقتصاد المحلي والاستغلال الأمثل للموارد البشرية والتراثية والثقافية والطبيعية.

تهدف الاستراتيجية إلى «تطوير منطقة عسير كوجهة عالمية على مدار العام عبر استثمارات متنوعة؛ لتمويل المشروعات الحيوية، وتطوير مناطق الجذب السياحي على قمم عسير».

لقد أكدت رؤية المملكة 2030 على المحافظة على الإرثين الثقافي والتاريخي السعودي والثقافة الوطنية وإبرازها والتعريف بها ونقلها إلى الأجيال القادمة.

ويعد الاستثمار في قطاع السياحة أحد أبرز المصادر الاقتصادية التي ركزت عليها الرؤية الوطنية 2030 لخلق مصادر دخل بديلة وفرص عمل تنعكس إيجابا على المجتمع المحلي. في الحقيقة، إن تنمية المواقع السياحية لا يقتصر على دعم الأنشطة والفعاليات الثقافية الموسمية أو تحفيز الأسر المنتجة والصناعات التقليدية؛ بل تطوير البنية السياحية في المنطقة ككل ويشمل ذلك شبكات النقل، والاتصالات، والإسكان، والخدمات العامة.

وتتنوع أشكال الاستثمار السياحي لتشمل استثمار التراث العمراني، والثقافة المحلية، والبيئة الطبيعية، والإنتاج الزراعي، والموارد البشرية، ويصاحب الاستثمار السياحي إطلاق عدد من الأنشطة والمهرجانات الثقافية، والفلكلورية، والترفيهية، تدعم في مجملها الهوية الوطنية والمجتمع والاقتصاد.

في العقود الماضية كانت معظم جهود التنمية السياحية تصب في اتجاه تأهيل المناطق التراثية والبيئة الطبيعية ودعم المبادرات المجتمعية؛ ولكن دون تنظيم هذه الجهود في استراتيجية لتطوير البنية السياحية بما يخدم المنطقة ويحقق عوائد اقتصادية يشعر بها المجتمع المحلي.

إن تأهيل المواقع السياحية يمكن أن يستنزف موارد تمويلية كبيرة في حال عدم وجود خطط استثمارية لتحقيق العوائد من هذه المواقع كمصدر دخل مستدام يمكن أن يعزز اقتصاديات السكان والأسر المنتجة.

وهكذا انطلقت معظم مبادرات الاستثمار من جهود مجتمعية سواء في الإنتاج الزراعي أو الصناعات الغذائية والتقليدية أو المنتجات الفنية؛ ولكن دون إطار تكاملي يرفع من جودة المنتج، ويعزز من تسويقه ويدعم التنافسية؛ نتيجة لذلك، انحسر الاستثمار السياحي في مواسم الصيف أو في ضمن المهرجات الموسمية؛ مما أدى إلى رفع قيمه المنتج الاقتصادي لتعويض فتره الركود خارج المواسم.

كنت قد شاركت في ملتقى «العمران السياحي في المناطق الجبلية» والذي استضافته مدينة أبها في عام 2017 وكانت أبرز محاور الملتقى تؤكد على أن منطقة عسير جمعت ما بين الثقافة المادية والمعنوية والبيئة الطبيعية والأجواء المعتدلة وهي بذلك تزخر بكافة مقومات التنمية السياحية المتكاملة.

وقد أشرت في ورقة بحثية مقدمة في الملتقى على ضرورة تنويع القاعدة الاقتصادية لمشاريع تطوير السياحة في منطقة عسير بحيث تتكامل مشاريع التراث العمراني مع المشاريع الترفيهية والثقافية والبيئية بما يضمن تحقيق عوائد اقتصادية على مدار العام.

وأن تتواكب مشاريع العمران السياحي مع تفعيل البرامج المجتمعية المساندة مثل نشر الوعي المجتمعي للحفاظ على التراث العمراني، وتعزيز قيم الانتماء للثقافة المحلية، ونشر ثقافة العمل التطوعي.

اليوم، تأتي استراتيجية منطقة عسير لتلامس محور الإنسان، والأرض، والاقتصاد، وهو ما يعني تنمية الإنسان والمكان من خلال استثمار الهوية العمرانية وإحياء الثقافة الإنسانية لتحقيق العوائد الاقتصادية وبما ينعكس إيجابا على الاقتصاد المحلي. وهكذا فإن الاستراتيجية تؤكد على أن تنمية المكان يجب أن تتماشى مع تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية وبشكل يحافظ على البيئة الطبيعية والموارد.