ملايين في أيام معدودة!
الأحد - 10 أكتوبر 2021
Sun - 10 Oct 2021
بين فترة وأخرى يفاجئك أحد المعارف أو الأصدقاء أو حتى الجلساء بنبرة صوت واثقة وهو يتحدث عن المال وطرق نموه والاستثمار فيه وفي السلع المعتبرة الأخرى وكيف ستتجه الأسواق العالمية في قادم الأيام، ثم يعقب بأن الوقت الآن هو الأنسب للاستثمار المربح!
تستطيب نفسك ذلك الطرح وينعدل مزاجك وتوشك أن توجه ما تبقى لك من (قريشات) من دخلك الشهري نحو ذلك الجليس الذي كان طرحه مغريا وحديثه واثقا ومصطلحاته الاقتصادية ذات دلالات تعلم بعضها ويخفى عنك الكثير منها.
تتوق نفسك مجددا للسؤال الأزلي في نفس كل مخلوق على وجه البسيطة: كم المكسب الذي ينتظرني من هذا الاستثمار؟ وكم من الوقت سأنتظر؟ وحينها تطل أول منازل الهاوية لك مع ذلك الاقتصادي وأول مروج السعادة له معك! فيبدأ في سرد سيناريوهات مثيرة تجعل ابتسامتك تكبر شيئا فشيئا وأنت تسمع بهذا الثراء المرتقب بعد وقت قصير جدا وكيف أنك ستنتقل من شقتك المستأجرة إلى فيلتك الفخمة وتستبدل سيارتك القديمة التي تزور الورشة مرتين في الشهر بأخرى من تلك «الكشخة» وتتسع حدقة عينك وهو يؤكد لك أن رضى الله عنك ساقه إليك، وأن طيب نيتك كان مطية لك فوضع هذا الاقتصادي الفذ في طريقك!
تعود بعدها إلى منزلك وأنت لا ترى أحدا حولك من آل بيتك بل إنك استبدلت الحديث معهم ومسامرتهم بالآلة الحاسبة والتي ستكون لها اليد الطولى في العمليات الحسابية المرتقبة في طريقك إلى الثراء الماراثوني! وأثناء ذلك تبادر ببناء علاقة جيدة مع ذلك الاقتصادي وتتودد إليه وهو في نظرك أحق الناس بصحبتك وأقربهم إلى قلبك وأوفرهم حظا عندك! كيف لا وهو الذي سيجعلك على بعد فرسخ أو اثنين من المجد والغنى والرفاهية!
وحين يرى ذلك الاقتصادي مدى غرقك في عسل تلك الأحلام يبدأ في توسيع دائرة حماقتك فيعرض عليك أن تحضر شخصا أو اثنين يتمتعان بذات المواصفات التي تتمتع أنت بها بحيث تنطلقون جميعا إلى عالم الثراء وتجلسون على سرر متقابلين وأنتم تتذكرون وتودعون الأيام البائسة التي كنتم تعتمدون فيها على ما يتبقى لكم من مرتباتكم الشهرية أو ما شابهها!
ويستمر ذات المسلسل وتتسع ذات الشبكة والحبكة: اقتصادي مزعوم يطلب مالا بسيطا وأبرياء بسطاء يتفانون في إحضار عملاء وصغار مستثمرين مع وعود بأنه كلما زاد عدد من تحضرهم زادت معه مكاسبك وأرباحك التي ستصرف في مواعيد قل ما توصف بأنها «أحد من السيف وأدق من الشعرة»!
ثم يأتي اليوم المرتقب! والمستثمر الصغير ينتظر (الهامور) ليصرف له ربحه كاملا غير منقوص هو وبقية المستثمرين ليفاجأ بتأجيل من قبل ذلك الكبير معللا تأخره بأن هنالك أمورا سوقية واقتصادية لا يعلمها ذلك البسيط توجب التريث لتحقيق منافع أكبر ولا سيما أن التقاطعات الاقتصادية أكبر من أن يستوعبها ذلك المسكين! يرضخ صاحبنا ويستسلم وقوفا عند قلة معرفته بعالم المال واستمرارية أحلامه ويمتد ذلك التأجيل والتسويف لعدة مرات قبل أن يفيق المسكين على اتصالات لا يرد عليها اللص وعناوين لا وجود لها وأموال لا يعرف مصيرها!
حينها وحينها فقط يصبح المستثمر البسيط (ذا بصر حديد)! فتذهب عنه سكرة الثراء وهو يندب حظه أمام هذا الابتلاء! حينها لا يعلم هل يعزي نفسه؟ أم يعتذر من رفاقه الذين انقادوا معه؟ أم يبحث عن غريمه؟ أم يتحسر على الوقت والجهد الذي أضاعه؟ موقف لا يحسد عليه!
هذا السيناريو البشع والذي كان ضحيته كثيرا من أصحاب الأمية الاقتصادية كان الدافع الرئيس له ذهاب الحكمة، وغياب الفطنة، والبعد عن المشورة من الماليين الموثوقين، وقبل كل هذا عدم الانصياع للتوجيهات الرسمية التي تحذر من التعامل مع المشبوهين، وعدم الانقياد خلف الشبكات المالية مجهولة المصادر والشخوص؛ لذا فإن من وقع فيه فإنه لا ينبغي له أن يلوم أحدا إلا نفسه التي كان طمعها أكبر من رباطة جأشها.
لذا؛ فإنني مما سمعت أرى أن يتوخى كل إنسان الحيطة والحذر من هؤلاء المجرمين الذين يبتدئون لقاءاتهم بتوزيع كتب الإثارة الاقتصادية، والثراء السريع، والمكاسب الفلكية، أولئك الذين يتخذون من لوبيات الفنادق أوكارا لاصطياد ضحاياهم المساكين ومن أكواب القهوة وأطباق الحلويات طعما لجذب الأبرياء.
ولنعلم جميعا ونعلم غيرنا أن الثراء لا يتحقق ذات مساء! فالطريق نحو التنمية الاقتصادية الشخصية طريق ليس بالقصير وله أدواته وزاده الذي لا غنى عنه وعلى رأسه: مخافة الله، والمعرفة بالأنظمة والقوانين، والبعد عن الشبهات، والثقافة الاقتصادية الرصينة، وسؤال الثقات من أهل المال والأعمال، ولنتذكر سويا أن الكسب والنماء حق مكفول بالطرق الصحيحة والسليمة والنظامية من خلال القنوات المعلنة أما ما عدا ذلك فهو طريق مشبوه ينطبق عليه قول الروائية الكندية Margret Atwood بأن «الغباء تماما كالشر لأن نتائجهما واحدة» والسلام.
dralaaraj@
تستطيب نفسك ذلك الطرح وينعدل مزاجك وتوشك أن توجه ما تبقى لك من (قريشات) من دخلك الشهري نحو ذلك الجليس الذي كان طرحه مغريا وحديثه واثقا ومصطلحاته الاقتصادية ذات دلالات تعلم بعضها ويخفى عنك الكثير منها.
تتوق نفسك مجددا للسؤال الأزلي في نفس كل مخلوق على وجه البسيطة: كم المكسب الذي ينتظرني من هذا الاستثمار؟ وكم من الوقت سأنتظر؟ وحينها تطل أول منازل الهاوية لك مع ذلك الاقتصادي وأول مروج السعادة له معك! فيبدأ في سرد سيناريوهات مثيرة تجعل ابتسامتك تكبر شيئا فشيئا وأنت تسمع بهذا الثراء المرتقب بعد وقت قصير جدا وكيف أنك ستنتقل من شقتك المستأجرة إلى فيلتك الفخمة وتستبدل سيارتك القديمة التي تزور الورشة مرتين في الشهر بأخرى من تلك «الكشخة» وتتسع حدقة عينك وهو يؤكد لك أن رضى الله عنك ساقه إليك، وأن طيب نيتك كان مطية لك فوضع هذا الاقتصادي الفذ في طريقك!
تعود بعدها إلى منزلك وأنت لا ترى أحدا حولك من آل بيتك بل إنك استبدلت الحديث معهم ومسامرتهم بالآلة الحاسبة والتي ستكون لها اليد الطولى في العمليات الحسابية المرتقبة في طريقك إلى الثراء الماراثوني! وأثناء ذلك تبادر ببناء علاقة جيدة مع ذلك الاقتصادي وتتودد إليه وهو في نظرك أحق الناس بصحبتك وأقربهم إلى قلبك وأوفرهم حظا عندك! كيف لا وهو الذي سيجعلك على بعد فرسخ أو اثنين من المجد والغنى والرفاهية!
وحين يرى ذلك الاقتصادي مدى غرقك في عسل تلك الأحلام يبدأ في توسيع دائرة حماقتك فيعرض عليك أن تحضر شخصا أو اثنين يتمتعان بذات المواصفات التي تتمتع أنت بها بحيث تنطلقون جميعا إلى عالم الثراء وتجلسون على سرر متقابلين وأنتم تتذكرون وتودعون الأيام البائسة التي كنتم تعتمدون فيها على ما يتبقى لكم من مرتباتكم الشهرية أو ما شابهها!
ويستمر ذات المسلسل وتتسع ذات الشبكة والحبكة: اقتصادي مزعوم يطلب مالا بسيطا وأبرياء بسطاء يتفانون في إحضار عملاء وصغار مستثمرين مع وعود بأنه كلما زاد عدد من تحضرهم زادت معه مكاسبك وأرباحك التي ستصرف في مواعيد قل ما توصف بأنها «أحد من السيف وأدق من الشعرة»!
ثم يأتي اليوم المرتقب! والمستثمر الصغير ينتظر (الهامور) ليصرف له ربحه كاملا غير منقوص هو وبقية المستثمرين ليفاجأ بتأجيل من قبل ذلك الكبير معللا تأخره بأن هنالك أمورا سوقية واقتصادية لا يعلمها ذلك البسيط توجب التريث لتحقيق منافع أكبر ولا سيما أن التقاطعات الاقتصادية أكبر من أن يستوعبها ذلك المسكين! يرضخ صاحبنا ويستسلم وقوفا عند قلة معرفته بعالم المال واستمرارية أحلامه ويمتد ذلك التأجيل والتسويف لعدة مرات قبل أن يفيق المسكين على اتصالات لا يرد عليها اللص وعناوين لا وجود لها وأموال لا يعرف مصيرها!
حينها وحينها فقط يصبح المستثمر البسيط (ذا بصر حديد)! فتذهب عنه سكرة الثراء وهو يندب حظه أمام هذا الابتلاء! حينها لا يعلم هل يعزي نفسه؟ أم يعتذر من رفاقه الذين انقادوا معه؟ أم يبحث عن غريمه؟ أم يتحسر على الوقت والجهد الذي أضاعه؟ موقف لا يحسد عليه!
هذا السيناريو البشع والذي كان ضحيته كثيرا من أصحاب الأمية الاقتصادية كان الدافع الرئيس له ذهاب الحكمة، وغياب الفطنة، والبعد عن المشورة من الماليين الموثوقين، وقبل كل هذا عدم الانصياع للتوجيهات الرسمية التي تحذر من التعامل مع المشبوهين، وعدم الانقياد خلف الشبكات المالية مجهولة المصادر والشخوص؛ لذا فإن من وقع فيه فإنه لا ينبغي له أن يلوم أحدا إلا نفسه التي كان طمعها أكبر من رباطة جأشها.
لذا؛ فإنني مما سمعت أرى أن يتوخى كل إنسان الحيطة والحذر من هؤلاء المجرمين الذين يبتدئون لقاءاتهم بتوزيع كتب الإثارة الاقتصادية، والثراء السريع، والمكاسب الفلكية، أولئك الذين يتخذون من لوبيات الفنادق أوكارا لاصطياد ضحاياهم المساكين ومن أكواب القهوة وأطباق الحلويات طعما لجذب الأبرياء.
ولنعلم جميعا ونعلم غيرنا أن الثراء لا يتحقق ذات مساء! فالطريق نحو التنمية الاقتصادية الشخصية طريق ليس بالقصير وله أدواته وزاده الذي لا غنى عنه وعلى رأسه: مخافة الله، والمعرفة بالأنظمة والقوانين، والبعد عن الشبهات، والثقافة الاقتصادية الرصينة، وسؤال الثقات من أهل المال والأعمال، ولنتذكر سويا أن الكسب والنماء حق مكفول بالطرق الصحيحة والسليمة والنظامية من خلال القنوات المعلنة أما ما عدا ذلك فهو طريق مشبوه ينطبق عليه قول الروائية الكندية Margret Atwood بأن «الغباء تماما كالشر لأن نتائجهما واحدة» والسلام.
dralaaraj@