آلاء لبني

تحرش مبرر

الأربعاء - 06 أكتوبر 2021

Wed - 06 Oct 2021

الأحداث الأخيرة في احتفالات اليوم الوطني والمقاطع المستنكرة من الرجال والنساء على حد سواء التي تخالف أخلاقنا والذوق العام، وسلوكيات التحرش الخاطئة تعطي رسالة مغايرة لكل معاني تأصيل المواطنة المسؤولة.

التحرش انتهاك للخصوصية بدون رغبة وموافقة الطرف الآخر، بحركة أو كلمة أو لمسة، وهو مشكلة اجتماعية وثقافية. الفراغ مع قلة الأخلاق والوازع الديني ساهم في التحرش بالشارع وهو أحد أشكال النظرة الدونية للمرأة، والنفس السوية ترفض هذه التصرفات التي تحتاج لمراجعة مجتمعية.

التحرش من الانتهاكات البسيطة للمضايقات الجادة، له درجات، سواء كان لفظيا، نفسيا، جسديا، جنسيا، فعليا، فضلا عن التحرش الالكتروني الذي وجد مساحة خصبة بالحسابات الوهمية والأسماء المستعارة.

هناك مقولة لوصف الهروب من المشاكل، (لا تدفن رأسك في الرمال كما يفعل النعام) ولا أعرف من أين التصقت السذاجة بالنعامة للتندر عليها! مع أنه في الحقيقة من أسباب هذه الفطرة أن تضع بيضها وتتفقده، كما أنها تتنصت وتستمع للذبذبات تحت الأرض لتحمى نفسها من خطوات الحيوانات المفترسة. ربما نحتاج أن نتعلم من النعام بحاجتنا للغوص عميقا لاكتشاف بواطن المخاطر لنعرف أين نتجه في مشكلة التحرش.

ظواهر الأمور لا تؤدي لحل المشاكل إنما تسكن الألم، فأشكال التحرش وأسبابه ووقف المتحرش والتوعية ..إلخ، كلها عوامل يجب أن توضع تحت النظر والدراسة، التحرش ليس حكرا على مجتمعنا فهو موجود بكل مكان بكل الدول والثقافات حتى في بلاد الواق واق! إنه مشكلة أخلاقية عالمية.

بالدول المتقدمة علميا، بالغرب وبالمجتمعات الأكثر انفتاحا، حيث الحرية الجنسية هناك تحرش بأشكاله يصل للاغتصاب. وبالدول الإسلامية التي يكون فيها التستر والحجاب طاغيا كأفغانستان وبدول العالم الثالث حيث الظروف الاقتصادية الصعبة.

والتحرش ليس حكرا على الرجال فهناك تحرش من النساء ولكن بنسب أقل.

ففي الدول التي تحصي هذه الظاهرة تكشف الإحصائيات عن ارتفاع معدلات التحرش عموما، ويقابله انخفاض التحرش بدول أخرى بسبب القوانين الرادعة وليس بدافع أخلاقي، القوانين تحد لكن لن تقضي على التحرش؛ فالمتحرش ينتظر الفرصة السانحة والمتخفية ويختار فريسته بعناية ويحكم الخناق عليها بسطوته وسيطرته منتفعا من القيود الاجتماعية.

فضائح التحرش تطال شخصيات مرموقة يسقط القناع عنها، بهوليود وبكل الأوساط السياسية والأدبية والرياضية والأولمبياد، وينتشر بكل الطبقات الاجتماعية وإن كانت الأوساط الأقل فقرا أكثر تضررا، ويطال التحرش مخيمات اللاجئين ودور الرعاية والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة وحتى السجون..عدد ولا حرج.

قد يطل علينا من يبرر خاصة بالسيوشال ميديا ويشكك بشرف الضحية ويلومها، ويتحفنا آخر برأيه النير! ليقول المشكلة اختلاط النساء بالرجال أو العكس يقول المشكلة في التزمت والتشدد، وأقول ليتكم تصمتون عن هذا الجدال الذي لا فائدة مرجوة منه.

ماذا عن التحرش في أكثر الأماكن أمانا، المنزل والمدرسة ودور الرعاية والعمل، وقس عليه الأدنى فالأدنى؟ أكثر حالات التحرش تحدث في بيئة آمنة بمعنى في الأصل أن تكون ليست مصدر خطر، علما عواقب التحرش بالمكان الآمن عقوبتها مشددة، التحرش بالمنزل من قبل المحارم، أو ما دونهم ممن تثق بهم العائلة، ماذا عن التحرش بالأطفال وتعريضهم لأبشع تجربة، هناك قصص بعمر 3 و5 سنوات، وماذا عن التحرش بالمراهقين وبالقاصرات، ماذا عن التحرش بالأقران من الذكور وتحرش الفتيات بالفتيات؟ كتلك الفتاة التي كانت تصور تحرشها بأختها وتنقله على الملأ.

لو كنت تمتلك سيارة جميلة وفارهة وسرقت هل كنت ستجد مبررا للسارق على سرقتها؟ التبريرات وخلق الأعذار للمعتدي لن نقضي بها على السلوك غير السوي.

للمربين وللمجتمع الحذر من ترداد التبريرات وقولبتها وبعض الأحيان لوم الضحية بدل دعمها.

همسة ونصيحة للبعض (ذكورا وإناثا) دعكم من استباحة أعراض النساء، والحديث عن هيئتهن..إلخ، كفوا عن الغرس بالشباب أنها مستباحة مغبة الدفاع، مما يعطي المسوغ للانقياد لرغباتهم، واسألوا أشخاصا يصدقونكم القول عن تحرش الأقران بالمدارس مثلا.

هذا منطق أعوج وليس من الحكمة أن نربي شخصية ضعيفة أمام شهواتها الجنسية ولا تستطيع السيطرة عليها. ماذا عن النساء من غير ملته وماذا عن الملحدة هل جسدها مستباح! ماذا لو اضطر لطلب العلم أو التجارة بأكثر الأماكن تفسخا جنسيا وخلقيا مثلا، ماذا ستكون ردة فعله؟

ماذا عن شهوة المال؟ هل لو عرض عليه مليون ريال بغير وجه حق، هل سيقبل الفساد لأنه متاح ولا يستطيع منع نفسه منه! بذات المنطق. لا ننشئ شخصية مهزوزة ضعيفة وإمعة تجاه شهواتها، ونعطيها المحفزات والمبررات للخطأ وبعد ذلك لو أخطأ فهو يتحمل نتيجة خطئه.

فلسفة التحرش قائمة على طرف أقوى وطرف أضعف بغض النظر عن أسباب القوة والضعف: تفاوت عمري، طبقي، مالي، وظيفي، اجتماعي..إلخ، وأشكال ودوافع التحرش عديدة لا مجال لحصرها؛ منها: المريض النفسي، وهناك التنمر الجنسي، بمعنى أن الهدف الإهانة وليس الدافع الحقيقي الرغبة، وهناك من لديه صعوبة في التحكم بنفسه وشهوته تسيطر عليه.

ليست الفكرة الدفاع عن أي شكل بقدر أهمية أن يعرف الضحايا والمجتمع هذه الفروق حتى يستطيعوا إيقاف المتحرش عن التمادي في بغيه.

مما يثلج الصدر أدانت وقبضت وزارة الداخلية على العديد من الأشخاص الذين انتشرت مقاطع لهم توثق دناءة أفعالهم وتحرشهم وحذرت وتوعدت، كما قبضت على الفتيات اللاتي رقصن وخرجن بزي غير محتشم، كما نشرت وزارة الداخلية عقوبات وغرامات التحرش بالنظام الصادر 2018 والذي كان أولى الخطوات المهمة للتصدي لهذه الظاهرة ومنع التهاون والاجتهاد المتراخي.

هل ممكن أن نصل لمرحلة أكثر وعيا تجاه التحرش؟

كفة القوانين وكفة التوعية يجب أن تكونا ملتزمتين؛ فالجهل من أكثر أسباب السكوت عن التحرش، وللحديث بقية.

AlaLabani_1@