مرزوق بن تنباك

اللهم فاشهد

الثلاثاء - 05 أكتوبر 2021

Tue - 05 Oct 2021

رغم محاولة الصمت ومحاولة تجنب تكرار الطلب الممل حتى فيما هو شأن ثقافي عام كالدعوة للاهتمام باللغة العربية والثقافة العربية إلا أن هناك مثيرات تعترض طريق الصمت وتلزم الإنسان بالمعاودة والتكرار والقول مرة ومرات كثيرة حتى مل الناس من التكرار وجادل فيه المجادلون وبلغ الجدال حد السفسطة، ذلك هو الحديث عن أهمية استعمال اللغة العربية وأنها لغة الدين والتراث ومكتسبات العرب وقبل ذلك وبعده هي المعبرة عن الهوية الجامعة للعرب، وأن ما تواجهه من مزاحمة اللغة الأجنبية لها وقبول العرب بذلك أمر غير مبرر ولا يمكن تفسيره إلا في الغفلة وعدم المبالاة التي ابتليت بها الثقافة العربية والعرب، والشاهد على ذلك والموجب لهذا المقال هو ما دار في الأسبوع الماضي في وسائل التواصل الاجتماعي العامة والخاصة من كلمة مسجلة لوزير عربي من دولة عربية يحضر مؤتمرا في دولة عربية أخرى والحاضرون كما جاء في كلمة الوزير كلهم عرب أقحاح من قلب جزيرة العرب أبناء الصحراء أكلة اليرابيع وحرشة الضباب كما وصفهم مادحا لهم أبو عمرو ابن العلاء عندما يريد أن يسجل كلمة فصيحة للعرب وينسبها إليهم.

بدأ الوزير العربي يرجو أن يأذن له الجمهور المستمع الذي وصفه بأن 99% منهم عربا يستأذنهم أن يتكلم بلسانه العربي بدلا من أن يتكلم باللغة الأجنبية ولم ينس الوزير المحترم أن يثبت لأبناء قومه العرب المستمعين إليه أنه يحسن اللغة الأجنبية كأحد أبنائها والناطقين بها وبلا لكنة أعجمية كما هو حال المتكلمين باللغات الأجنبية، فبدأ طلبه باللغة الأجنبية ليثبت قدرته مثل غيره على الحديث باللغة الأجنبية ولكنه اختار ما يمليه عليه واجبه وعروبته واعتزازه بهويته.

هذا ما جعلني أعود للحديث لما كنت مللت الحديث عنه في مناسبات كثيرة ومل مثلي من هم على رأيي ويعرفون ما تعنيه اللغة وثقافتها والغيورين على كينونتهم وهويتهم قبل غيرتهم على اللغة كأداة تواصل بين الناس، وإذا كانت المحافظة على اللغة العربية مهمة لكل العرب فإنها لدول الخليج خاصة أكثر أهمية والتكلم بغيرها أكثر خطرا باعتبار التركيبة السكانية الطارئة التي جاءت للمنطقة منذ ثلاثين عاما، هذه التركيبة السكانية تجعل استعمال غير اللغة العربية خطرا كبيرا على وجود الذين يتعشقون الحديث في اللغات الأجنبية من العرب ومن أهل الخليج خاصة.

اللغة العربية في دول الخليج ليست أداة للكلام والتواصل بل هي شأن وجودي لدول الخليج التي تواجه سيلا عارما من الهجرات إليها والعيش فيها والاستيطان الدائم وكل هؤلاء المهاجرين من شتى أنحاء العالم وقاراته يعملون ويعيشون ويتوالدون وينشؤون على أرض العرب دون أن يعرفوا اللغة العربية والثقافة العربية أو يحتاجوا إليها، ما دام هناك لغة وسيط بينهم وبين السكان الأصليين غير لغتهم، ووجود اللغة الوسيط بين أهل الخليج غير العربية هو في حقيقته وما سيؤول إليه تنازل عن الهوية العربية واعتراف ضمني بوجود البديل الممكن وهي اللغة الأجنبية وثقافتها وقيامها بديلا عن لغة العرب وثقافتهم، وفي المستقبل فإن كل هؤلاء الخليط من الناس عربا وعجما سيصبحون مواطنين بحكم الولادة والمنشأ والإقامة الدائمة لهم ولآبائهم فإذا لم تكن العربية هي لغتهم وثقافتهم فستحل اللغة الأجنبية محلها لا محالة، وحين ذلك سيعرف عرب الخليج المعضلة التي ستواجههم ولن يجدوا لها حلا إلا الاعتراف في الأمر الواقع، لأن اللغة محدد أساسي للهوية الوطنية والانتماء المعتبر للسكان وستكون اللغة البديلة للعربية الذي ارتضاها عموم السكان وتكلموا بها هي ما يحدد الهوية المعتبرة لهم جميعا وما يحدد انتماءهم.

وسيحل في الخليج بدل العرب اسم آخر يميزهم بالمعنى السلبي للتمييز (السكان الأصليين) أو الأوائل الذين كانوا على الأرض قبل أيام النفط وتجارته، والذين يحاولون فرنجة اللغة والتحدث بالإنجليزية وفرضها في المؤتمرات والتعليم العام والجامعات واستعمالها لغة للشركات والمؤسسات وفي كل شؤون الحياة لا يخاطرون باللغة للتواصل بين الناس لكنهم علموا أو لم يعلموا يخاطرون بعروبتهم وبوجودهم السياسي وكينونتهم وبمصالحهم التي يظنون أن فرض اللغة الأجنبية ميزة لهم اليوم لكنه على كل حال لن يكون في صالحهم بعد سنوات قد لا تكون بعيدة.

اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد، وأنت خير الشاهدين.

Mtenback@