علي المطوع

الصين وأمريكا صراع الحضارات الجديد

الاحد - 03 أكتوبر 2021

Sun - 03 Oct 2021

أمريكا تعيد تموضعها في العالم من خلال مفاهيم وأولويات احتياجاتها الأمنية الجديدة، والصين واحد من أهم الأسباب التي تستدعي هذا التموضع كونها تمثل قوة اقتصادية متنامية، وقوتها العسكرية تنذر بحضور بعبع صيني مخيف إن لم يحد من نموه فسيشكل مشاكل كبرى لأمريكا والعالم الذي يدور في فلكها.

أمريكا شكلت حلفا جديدا مع أستراليا، والأخيرة تظل بالتاريخ والجغرافيا وشيء من الديموغرافيا إرثا إنجليزيا خالصا، منذ أن اكتشفها البحار الإنجليزي جيمس كوك في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي، هذا التحالف كان بشراكة بريطانية ووصاية وهيمنة ثقافية إنجليزية خالصة، وبأبعاد تاريخية وديموغرافية عرقية وعريقة، فرنسا كانت أول الخاسرين اقتصاديا من هذا التحالف النوعي، وهذا ما شكل أزمة دبلوماسية مع الشريك الأكبر أمريكا تجاوزت المألوف لتصل إلى سحب سفيرها من واشنطن للامتعاض لا للتشاور، فالأمور جلية ولم يعد هناك مجال للمشورة في ظل انقلاب أمريكا على سياساتها السابقة وتغيرها على حلفائها القدامى وبحثها عن شركاء جدد يساعدونها على احتواء الخطر الصيني القادم والمرتقب.

الصين مخيفة بلغة الأرقام في ظل عدد سكاني مهيب وغريب، فالمهابة جاءت من آخر إحصائية تقول إن عدد سكان هذا البلد تجاوز 1.4 مليار نسمة وهذا يشكل تقريبا خمس سكان العالم، لكن الغرابة تكمن في أن الصين مقبلة على شيخوخة عمرية في سكانها، فبعض الدراسات تتنبأ بشيخوخة قادمة ستجتاح المجتمع الصيني، أي أنه وفي ظل تأثيرات سياسة إنجاب الطفل الواحد التي اعتمدت في أوقات سابقة، سيشكل عدد الذين تتجاوز أعمارهم الـ65 عاما الثلث وزيادة، وهذا متوقع أن يكون في عام 2050 حسب بعض التوقعات والدراسات، وهذا يعني من جانب الصورة الآخر للحظة الآنية التي نعيشها، أن أمريكا تصارع اليوم شعبا متوسط أعمار الثلث الفاعل فيه 35 عاما، وهذا جرس إنذار خطير يؤكد أن الصين تملك مفاتيح القوة والفاعلية لسحب البساط من تحت الحضارة الغربية وممثلتها أمريكا.

من جانب آخر تشير بعض التقارير الإخبارية المتتابعة، إلى أن الصين قد تزايد مؤخرا معدل اختراقها للمجال الجوي لتايوان وخاصة عند أي محاولة تقوم بها الأخيرة لإضفاء نوع من الاستقلالية على حضورها كدولة ذات سيادة، وهذا يعكس مدى التوتر المتصاعد بين القوتين العظميين، ولعله في قادم الأيام سيظهر أكثر وضوحا في ظل اعتماد أمريكا ومساهمتها في بناء غواصات نووية جديدة لحليفتها أستراليا لتساعدها على خوض ومراقبة المياه المحيطة بالصين، وربما تكون أستراليا من وجهة النظر الأمريكية الوسيلة المثلى للتعاطي مع التنين الصيني في المرحلة القادمة، إضافة إلى أنها بموقعها الجغرافي وارتباطها الوثيق ببريطانيا والغرب عموما، ستشكل رأس الحربة الذي سيوفر لأمريكا وحليفتها العجوز فرصة لوأد الحلم الصيني، فهي بمقاييس التاريخ والجغرافيا، أرض جديدة، وبعيدة عن العمقين الجغرافيين لأمريكا وبريطانيا، وهذه تعد سياسة احتواء وردع مثاليتين، تجعل لأمريكا الأفضلية واليد الطولى عند نشوب أي صراع مرتقب ومتوقع مع المارد الصيني العملاق.

الكثير من حلفاء أمريكا بدؤوا يعيدون حساباتهم محاولين الفكاك من تبعية مطلقة جعلتهم شعوبا ودولا تدور في فلك ذلك المارد الأمريكي الخطير، والسبب أن أمريكا بدأت تنفض يدها من كثير من المبادئ والالتزامات التي أسستها ورعتها زمنا طويلا، فحلف شمال الأطلسي استبدل بحلف المحيط الهادئ - إذا جاز التعبير- للضرورات السالفة الذكر، وأستراليا بديلا لفرنسا وغيرها من دول حلف الناتو، كحليف وثيق يحضر ليلعب أدوارا في غاية الخطورة، وأمريكا وبريطانيا هما الباقيتان والراسختان من الصورة القديمة كحليفين تقليديين تجمعهما اللغة والعقل الاستعماري الأصيل، والمصالح المشتركة المعقدة، والتي تؤكد وتشير إلى أن العالم مقبل على شكل جديد من الصراع ما تزال أمريكا أحد أقطابه، والزمن كفيل بترسيخها كقوة عظمى أم سيكون للصينيين رأي آخر؟!

alaseery2@