عبدالحليم البراك

ضرورة المراجعة

الاثنين - 27 سبتمبر 2021

Mon - 27 Sep 2021

يقاوم الإنسان بشكل مستمر ومعاند مراجعة نفسه، أخطاءه وسقطاته وحتى نجاحاته، فهو -في الغالب- يمشي ولا ينظر للوراء إطلاقا، وما ينطبق على الفرد ينطبق على مؤسساته، فتحمل المؤسسات الجماعية صفات الإنسان الفردية، ويقاوم الإنسان المراجعة وثقافتها لعدة أسباب إنسانية كامنة في بشريته، وليس المطلوب هو معاكسة الطبيعة البشرية بل تهذيبها حتى تصل للصفة الإنسانية المتعادلة والمنطقية، وأهم أسباب غفلة الإنسان عن مراجعاته لنفسه:

(الران) الإنساني؛ فالإنسان مع مضي الوقت يسير وكأن عليه رانا يغطي على عقله وفكره يمنعه من رؤية الأشياء على حقيقتها، لذلك يغسل الإنسان هذا الران بالمراجعة المستمرة والتفكير الراجع باستمرار، فهو (مع هذا الران) كمن يمشي في طريق ولا يستمر يطلب دلالة صواب الطريق، فيضل عن الطريق الذي يجب السير فيه، كما أن الإنسان لديه ثقة بنفسه أكثر مما ينبغي، خاصة مع أجواء النجاحات المستمرة أو مع دولاب الحياة النمطي، هذه الثقة تمنعه من المراجعة لاعتقاده بأن هذا النجاح لا نجاح بعده، وأن هذا التوفيق هو الطريق الصواب، مستبعدا أن هناك طريقا أصوب.

كما أننا أحيانا تملأنا صفات الإنسان السلبية التي تحول هي الأخرى عن المراجعة، مثل الكِبر والعناد والأمراض النفسية الأخرى، التي تحول دون اعتراف الإنسان بخطئه.

كل هذه وغيرها تحول دوننا ودون المراجعة المستمرة سواء على مستوى الفرد -مرة أخرى- أو على مستوى مؤسساته التي أنشأها، وحتى تتحقق المراجعة؛ فإنها قد تصدر من إنسان على مستوى فردي بشكل عشوائي وغير منظم، لكنها تؤدي نتائج جيدة في المجمل، وتفيق الإنسان من سباته وتدله إلى الطريق الحقيقي، وهذه المراجعة هي التي تصحح أهدافه ووسائله وتقوم مسالك حياته اليومية والمستقبلية وتقلل من خسائره وندمه أو حتى وقوعه في الخطأ إن تدارك نفسه.

أما على المستوى المنظم والاحترافي فإن المراجعة النقدية هي فلسفة عملية تنتهج النقد المستمر لحياة الإنسان والفرد والمؤسسات الناتجة عنه بهدف الوصول إلى تعديل مستمر لهذه الأنماط، فالمجتمعات لا تسقط أو تتخلف عن الركب إلا في سياقات الغفلة عن مراجعة نفسها، وإن كانت بعض الأنظمة الشمولية فشلت؛ فإنما فشلها جاء بسبب فشلها في انتقاد نفسها ومراجعة أخطائها وتصحيحها باعتبار أن مراجعها المؤسسة لها غير قابلة للنقد وأن ما جاء من بعدها إنما هم حواش لها.

بينما يطول عمر الأنظمة القابلة للنقد والتي تصحح مسارها باستمرار بالمراجعة، إذ إن قوام البقاء هو التعايش مع المتغيرات من جهة، ومن جهة أخرى اكتشاف مواطن الضعف التي غطتها قوى النجاح في البدايات.

ويمنع الإنسان والمؤسسة ثقافة المراجعة والنقد في داخلها بدعوى أنها مراجعة سلبية أو نقد سلبي في مقاومة للنقد، ولا شك أن هذا يظهر في حالات ضعف الإنسان والمؤسسة أو عدم ثقتهما في نفسهما، فيتم المنع، وصحيح جدا أن النقد السلبي والمراجعة السلبية تزيد الضعف إن كانت في وقت لا يملك الإنسان رؤية ثاقبة وفاحصة في التوازن بين النقد الإيجابي والسلبي فيمنع الاثنين معا حتى يحافظ على بيئته لكنه يكتشف في النهايات أن أمره انتهى من حيث قرر استبعاد ثقافة المراجعة من أدبياته!

وإذا ما انتشرت فكرة المراجعة المستمرة وثقافة النقد، وأساليب الحياة التي لا تقدم القداسات لشيء، فإنها حتما ستضمن بقاءها وتطيل في عمرها وتصحح مسارها باستمرار، وهذا هو هدف الإنسان والمؤسسة.

Halemalbaarrak@