عبدالله قاسم العنزي

سريان القانون من حيث الزمان

الاحد - 26 سبتمبر 2021

Sun - 26 Sep 2021

لا شك أن الفكر القانوني يتنازعه اعتباران متعارضان هما الثبات والتغير، فالقانون من ناحية يفترض فيه قدر من الثبات، لأنه بدون هذا القدر يستحيل التنظيم القانوني للعلاقات الاجتماعية، ومن ناحية أخرى فإن هذه العلاقات التي يتناولها القانون بالتنظيم هي علاقات متجددة متغيرة بطبيعتها، وعلى وجه اللزوم تخرج عن حدود النص القانوني الذي يقوم على تصور معين للعلاقات القانونية في وقت معين بالذات، وبالتالي فنحن أمام نص عاجز عن معالجة بعض الفروض المستجدة في الحياة الاجتماعية.

ويثير موضوع نطاق سريان القانون من حيث الزمان ما يعرف بمشكلة تنازع القوانين، أي تنازع القانون الجديد مع القانون القديم، والأصل أن القواعد القانونية التشريعية لا تسري إلا بعد نشرها، تدخل حيز التنفيذ بعد الفترة التي ينص عليها المشرع وغالبا ما تكون بعد مدة يحددها النظام من نشرها في الجريدة الرسمية، ولا يحدث أي إشكال إذا كانت المراكز القانونية قد ترتبت واكتملت في ظل القانون القديم، إذ يطبق هذا القانون على ما تم أثناء نفاذه ولا تثور أي مشكلة أيضا إذا لم تكن المراكز القانونية قد بدأت في النشوء أصلا إلا بعد صدور القانون الجديد، إذ يطبق القانون الجديد على ما ينشأ في ظله من مراكز.

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق متى تحدث مشكلة التنازع الزماني للقانون؟ الحقيقة أن هذه المسألة القانونية تحكمها قواعد ومبادئ قانونية، ولا أريد أن أخوض في هذا الموضوع بقدر ما أريد الإشارة إلى واقعة تحدث باستمرار في أروقة القضاء على العقود التي لم تسجل في موقع «إيجار» الالكتروني، حيث صدر قرار مجلس الوزراء رقم (292) وتاريخ 16 /5 / 1438هـ المتضمن اعتبار العقود غير المسجلة بالشبكة الالكترونية لخدمات الإيجار أنها غير منتجة لآثارها القضائية، وعلى ذلك لا تسمع الدعوى في العقود غير المسجلة في العقود الالكترونية الموحدة حتى وإن كانت سارية زمانا قبل صدور القرار، وهناك قضايا لم تسمع بناء على هذا القرار رغم أن تاريخ إبرامها قبل صدور القاعدة القانونية الجديدة، وعلى ذلك يتقدم أطرافها بالاعتراض لأن عقودهم أنشئت قبل صدور القرار.

ومن حيث المبدأ العام بعدم رجعية القوانين فإن هذا الاعتراض المقدم منطقي لاعتبار أن كل المراكز القانونية التي نشأت في ظل قانون قديم وتستقر لا يمس بها بأي تغيير في القانون الجديد ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، وهذا يؤدي إلى الطمأنينة واستقرار المعاملات، أما إذا كانت المراكز القانونية تمس بتغيير أو تزول فإن ذلك يحدث اضطرابا في المجتمع ولا تستقر معاملات الناس!

والتوجيه الصحيح لأصحاب العقود غير المسجلة الكترونيا أن الأحكام الخاصة بنطاق تطبيق قواعد إيجار الأماكن هي آمرة ومتعلقة بالنظام العام، ومن ثم فإنها تسري بأثر فوري ورجعي على جميع المراكز والوقائع القائمة، والتي لم تستقر نهائيا وقت نفاذها، ولو كانت ناشئة قبل العمل بها، وعلى من كانت عقودهم غير مسجلة في الموقع الموحد «إيجار» أن يبادروا بتجديد صيغ عقودهم حتى تترتب آثارها القانونية في المستقبل.

expert_55@