بندر الزهراني

نور العلم والنجاح لا كهنة الاعتكاف!

الاحد - 26 سبتمبر 2021

Sun - 26 Sep 2021

انتشر على نطاق واسع خبر وفاة الكاهن والمعالج الروحي السريلانكي «إليانثا وايت» الذي سبق وأن رفض لقاحات كورونا ورفض الالتزام بالإجراءات الاحترازية، وزعم أنه يعالج إصابات فيروس كورونا باستخدام الماء المقدس، وكان زعمه هذا قد لقي رواجا كبيرا في سريلانكا والهند، وزارته وزيرة الصحة السريلانكية، وشربت من مائه المقدس، فأصيبت الوزيرة بالفيروس، وأدخلت على إثر ذلك العناية المركزة، ثم أقيلت من منصبها لاحقا، وبالأمس تناقلت وسائل الإعلام خبر وفاة «وايت» متأثرا بإصابته بكورونا.

في أوج أزمة كورونا خرج رئيس إحدى الجامعات المحلية على شاشة التلفزيون مبشرا بأن جامعته طورت لقاحا جديدا يقضي على فيروس كورونا المسبب لما يعرف بمتلازمة الشرق الأوسط، وأن الجامعة قد نجحت في اختبارات اللقاح معمليا، وأنها في المراحل الأخيرة من استصدار التراخيص الرسمية لتسويقه تجاريا، وأضاف أن فريقا بحثيا من جامعته نجح في عزل فيروس كورونا المستجد، وأنه -أي الفريق البحثي- يعكف على اكتشاف اللقاح الذي سيرى النور قريبا.

وكان اللقاء المتلفز مع هذا الرئيس قد أثار الكثير من ردود الأفعال، خاصة تلك التي بلغت حد الانبهار والإعجاب بالجامعة وبكوادرها الطبية، وتداولته آنذاك وسائل إعلام عالمية، وتبين أن الجامعة دخلت في شراكة مع جامعة أكسفورد البريطانية، لا نعلم تفاصيلها، ولا نعلم نسب المساهمات العلمية بين الجامعتين، ولا أخفيكم أنني فرحت فرحة كبيرة، وكنت أتوقع بعد الإعلان مباشرة أن يعقد الفريق البحثي لهذا الاكتشاف مؤتمرا صحفيا يوضحون فيه خطوات الإنجاز، ولكنهم للأسف لم يفعلوا، ولن يفعلوا.

وتساءل الناس فيما بعد عن سر غياب اللقاح المكتشف، وعن سر انزواء الجامعة وعدم متابعة إنجازها الكبير، على الأقل إعلاميا، جدير بالذكر أن وزير الصحة -وهو المسؤول الأول عن صحة المواطن والملزم نظاما بطمأنته وإزالة الخوف والقلق من نفسه- لم يظهر على شاشة التلفاز أو على أي وسيلة إعلامية أخرى ليعلن اكتشاف أطباء الصحة علاجا يقضي على فيروس كورونا المستجد، أو لقاحا يحمي الناس منه، ولم يرو لهم ولو من باب (السوالف) بطولات وهمية يخدر بها عقولهم ويسلي نفوسهم، بل إنه التزم الصمت، وفضل عدم الخوض في مثل هذه الأمور، واكتفى بتوعية الناس ومتابعة جديد العلم، ليس ضعفا منه أو قلة حيلة، بل إيمانا بما يفعل، وصدقا لما يحمله من أمانة.

قدر لي على هامش أحد الملتقيات أن أتحدث مع عالم من علماء الفيروسات، فحكى لي خطورة انتشار الفيروسات وصعوبة السيطرة عليها، وكنت أروي له نجاح فريق الجامعة المحلية الذي استطاع عزل فيروس كورونا وبدأ الاعتكاف لدراسته، فكان كلما أعدت عليه هذه المعلومة يحاول إمساك نفسه لئلا يبدو ساخرا، حتى غلبته نفسه فانفجر ضاحكا، وقال لي: لا تفرح يا (الذيب) فزراعة وعزل الفيروسات ليست أم القضايا، فأي طالب دراسات عليا تتوفر لديه إمكانات معملية جيدة يستطيع فعل ذلك بكل يسر وسهولة، وهنا كانت المفاجأة!

ولكن مهلا! يجب ألا نتعجل، فربما الإنجاز لا يكتمل إلا بعد إعلان رئيس الجامعة انتهاء فترة الاعتكاف!

السؤال المطروح الآن، وبعيدا عن العاكف والمعكوف: هل طلب من مسؤولي هذه الجامعات الخروج للإعلام والحديث في المناسبات بشكل ترويجي لا يمت للواقع العلمي بصلة؟ هل كان المطلوب تضخيم العمل حتى يبدو عملا حقيقيا؟ أم هي اجتهادات شخصية لا يلحقها حساب! على اعتبار أن المجتهد إذا أخطأ له أجر المحاولة! وأيا كان الجواب فالمحصلة واحدة في الحالتين، ضعف الطالب والمطلوب!

في قصة الكاهن «وايت» انتصر فيروس كورونا على فيروس الجهل والخرافة، إذ مات الكاهن، وانتصر العقل على الدجل والوهم، إذ أقيلت الوزيرة، فمتى ينتصر العقل في جامعاتنا ويحرر بقوته الإدارات الجامعية من وهم الإنجاز وبريق التصنيف إلى حقيقة الواقع ونور العلم! متى يتوارى كهنة النجاح لترى جامعاتنا النور الحقيقي! فلا نور إلا نور العلم، والله نور السموات والأرض.

drbmaz@