زيد الفضيل

لماذا كان عبدالعزيز عظيما؟

السبت - 25 سبتمبر 2021

Sat - 25 Sep 2021

مع احتفالنا بالذكرى91 ليومنا الوطني، وهو اليوم الذي أقره الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود ليكون ذكرى وطنية لإعلان توحيد المملكة العربية السعودية بمسماها القائم حاليا، وذلك وفق منطوق المرسوم الملكي الصادر في الأول من الميزان الموافق في حينه ليوم السابع عشر من جمادى الأولى لعام 1351هـ/17 سبتمبر 1932م، أجدني مشدودا صوب فكرة مهمة في عمق احتفالنا بهذه الذكرى، يرتكز مضمونها حول مدى معرفة أبنائنا لعمق شخصية الملك المؤسس عبدالعزيز -يرحمه الله-، الذي تمكن بحكمته وسماته الخاصة من توحيد أرجاء هذا الوطن، ولم شمل مختلف أبنائه من بعد فرقة استمرت لأربعة عشر قرنا من الزمان.

كم نحن بحاجة في هذا السياق إلى استدعاء كثير من الحكايات الإنسانية من صدور أصحابها حول الملك عبدالعزيز ليعلم النشء بعضا من صفاته التي مكنته من تأسيس وطن تتناغم فيه مظاهر الحياة البيئية، وتمتزج فيه النفوس الطيبة لتشكل هوية واحدة، ضمن بيئة واحدة، وثقافة واحدة، وهدف واحد، ليولد معها ومعه شعب واحد، عاش الأمن من بعد خوف، والرخاء من بعد عوز، والوحدة من بعد تفرق، والنهوض من بعد شتات.

كان ذلك ما اهتممت بتوثيق بعض عراه حين دونت كتابي «حكاية أمة ومولد شعب» الذي تشرف بثناء الملك المؤرخ سلمان بن عبدالعزيز حال توليه سابقا لإمارة الرياض، وفيه عرضت لجملة من صفات الملك المؤسس وملامح تفرده عن غيره، واستشهدت ببعض أقواله العاكسة لسمته الذهني وروحه الإنسانية، ومن ذلك قوله في أحد خطبه «أنا عربي، وأحب عز قومي، والتأليف بينهم، وتوحيد كلمتهم، وأبذل في ذلك مجهوداتي، ولا أتأخر عن القيام بكل ما فيه المصلحة للعرب، وما يوحد أشتاتهم، ويجمع كلمتهم».

كما أبنت منهجه في التعامل مع الناس ومعاييره لمرتكزات العلاقة بهم، وذلك من واقع قوله «أريد الصراحة في القول، لأن ثلاثة أكرههم ولا أقبلهم: رجل كذاب يكذب عليّ عن عمد، ورجل ذو هوى، ورجل متملق، وهؤلاء أبغض الناس عندي». ولعمري فذلك من أهم سمات الشخصية القائدة الراغبة في تحقيق النهضة وفق أسس سليمة.

على أن ذلك لم يكن ليتأتى لولا تحقيق العدل المطلق دون اعتبار لقرابة أو منزلة، وهي من سمات الأمم المتقدمة التي تصان فيها الحقوق وتنهض بها المجتمعات، وفي ذلك فما أجمل منطوقه الذي نشره على العامة وقال فيه «على كل فرد من رعيتنا يحس أن ظلما وقع عليه، أن يتقدم إلينا بالشكوى، وعلى كل من يتقدم بالشكوى أن يبعث بها بطريق البرق أو البريد المجاني على نفقتنا، وعلى كل موظف بالبريد أو البرق أن يتقبل الشكاوى من رعيتنا ولو كانت موجهة ضد أولادي وأحفادي وأهل بيتي. وليعلم كل موظف يحاول أن يثني أحد أفراد الرعية عن تقديم شكواه، مهما كانت قيمتها، أو حاول التأثير عليه ليخفف لهجتها، أننا سنوقع عليه العقاب الشديد. لا أريد في حياتي أن أسمع عن مظلوم، ولا أريد أن يحملني الله وزر ظلم أحد، أو عدم نجدة مظلوم، أو استخلاص حق مهضوم، ألا قد بلغت، اللهم فاشهد».

وهو ما أكده بعد ذلك في مرسومه العالي سنة 1347هـ وجاء فيه: «إن الملك يعلن للناس كافة أن من كانت له ظلامة على كائن من كان، موظفا أو غيره، كبيرا أو صغيرا، ثم يخفي ظلامته، فإنما إثمه على نفسه. وأن من كانت له شكاية، فقد وُضع على باب دار الحكومة صندوق للشكايات مفتاحه لدى جلالة الملك، فليضع صاحب الشكاية شكواه في ذلك الصندوق، وليثق الجميع أنه لا يمكن أن يلحق المشتكي أي أذى بسبب شكايته المحقة من أي موظف كان».

أختم بشهادة المؤرخ اللبناني الأمريكي أمين الريحاني الذي قال «مهما قيل في ابن سعود فهو رجل قبل كل شيء، رجل كبير القلب والنفس والوجدان، عربي تجسمت فيه فضائل العرب، رجل صافي الذهن والوجدان، خلـو من الادعاء والتصلف، خـلـو من التظاهر الكاذب» وأضاف «ها قد قابلت أمراء العرب كلهم فما وجدت فيهم أكبر من هذا الرجل، لست مجازفا أو مبالغا فيما أقول، فهو حقا كبير، كبير في مصافحته، وفي ابتسامته، وفي كلامه، وفي نظراته، يـفصح في أول جلسة عن فكره، ولا يخشى أحدا من الناس، بل يـفشي سره وما أشرف السر! سر رجل يعرف نفسه، ويثق بعد الله بنفسه، وقد ساد قومه بالمكارم لا بالألقاب، وإني سعيد لأني زرت ابن سعود بعد أن زرتهم كلهم، هو حقا مسك الختام».

zash113@