عبدالله الأعرج

اليوم الوطني: طفل السبعينيات ودكتور الألفية

الأربعاء - 22 سبتمبر 2021

Wed - 22 Sep 2021

ما بين السبعينيات والألفية كانت المملكة العربية السعودية وما زالت تسكننا ونسكنها وطنا شامخا عزيزا، وملاذا آمنا حصينا، ورغم تعاقب السنين وتنوع الأحداث على وجه المعمورة، ونشوب الحروب وإبرام معاهدات السلام، ونشوء بعض الدول واضمحلال بعضها الآخر، ما زالت وصايا الآباء والأمهات للأجيال على ثرى هذه الأرض كما هي لم تتغير ولم تتبدل (والله ما مثلك بها الدنيا بلد)

في الثمانينيات من القرن المنصرم كنا نقف في كل صباح لنحيي علم الوطن الشامخ أمامنا في فناء المدرسة، ونستمع لأمثلنا طريقة وهو يرتل علينا أحاديث الصباح عن الأم الحنون (الوطن) وكيف أنه ينتظرنا بشوق لكي نكبر سريعا ونفعل كما يفعل الرجال من الجد والاجتهاد والكدح والمثابرة ليخدم بعضنا بعضا ونتناوب على حمل عبارة التوحيد جيلا بعد جيل.

ومازال الوطن معنا داعما حانيا وموجها صادقا وكريما مغدقا حتى غادرنا المدرسة وهو ينظر إلينا بعين دامعة كلها شوق لمستقبل يليق بحسن تربيته لنا وجميل الصفات والمناقب التي غرسها بين جوانحنا، فسلمنا في التسعينيات من ذات القرن الماضي للجامعة فكان أعظم تسليم من يد الوطن إلى يده الأخرى.

وفي الجامعة أدركنا كم هو الوطن عظيم بأفعاله! وكم هو كبير باحتوائه! كيف لا ونحن نتنقل بين صروح المعارف غير مكترثين بتكاليف العلم المادية بعد المدرسة ولا متوجسين خيفة من مصادر المعرفة الرصينة فالوطن حاضر في الجامعة استاذا وطالبا ومرشدا ورئيس قسم بل وعميدا ومديرا!

وحين انقضت سنين الدراسة الجامعية كان الوطن على العهد والوعد! ففتح لنا باب الحياة الأرحب بعد أن زودنا بما يستزيد به العامل لعمله فكانت الوظيفة نِعم الحقل الذي غرس كل واحد منا فيه أجود الثمار وتعهدها بالرعاية والاهتمام لتؤتي أكلها بأمر ربها ويفرح الوطن بها يوم حصادها وقد كان!

ويا لهذا الوطن ما أكرمه وما أعذب خصاله! غادرناه إلى مشارق الأرض ومغاربها لنستزيد من المعرفة في رحلة الابتعاث فكان بعد الله هو الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والسند في الغربة مالا وعونا واهتماما وتشجيعا وحبا.. لله كم رددنا ونحن في الغربة نشيدا ونحيبا:

العين بعد فراقها الوطنا

لا ساكنا ألِفت ولا سكنا

ريانة بالدمع أقلقها

ألا تحس كرا ولا وسنا

والقلب لولا أنة صعدت

أنكرته وشككت فيه أنا

ثم عدنا من الابتعاث كبارا ولم يصغر حب الوطن لنا بل إنه مازال ذلك الحنون الذي ينظر إلينا بذات عين الوالدين الحنونتين المشفقتين الهائمتين بأبنائها حبا وعطفا وحنانا كما كانت تفعل على الدوام.

وما شاخ الوطن وأنّا له أن يشيخ ! فمن زرع كل هذا الجمال في نفوس أبنائه فسيظل عزيزا كريما أبيا وسيبقى له في أفئدتنا وأرواحنا شعرا لا يُنظم مثله وولاء يعز في الدهر شبيهه وحبا نتناقله جيلا بعد جيل وستظل (هي لنا دار) ونحن نردد:

ولي وطن قاسمته فتنة الهوى

ونافحت عن بطحائه من يقاتله

إذا ما سقاني الغيث رطبا من الحيا

تنفس صبح الليل وانهلّ والله

dralaaraj@