أسعد عبدالرحمن عبدالجواد

التعليم من حارة المظلوم لأرجاء المملكة

الأربعاء - 22 سبتمبر 2021

Wed - 22 Sep 2021

في ليلة ظلماء فقد فيها نور القمر وبداية القرن الميلادي الماضي التاسع عشر، وفي دياجير الظلام رجل آتاه الله علما وحكمة في نهاية عقده الثاني وبداية عقده الثالث بعمر العشرين سنة يصطحب أطفالا من أهالي جدة بوابة الحرمين الشريفين لتعليمهم القرآن الكريم والقراءة والكتابة والحساب، متخفيا من ظلم عساكر النظام العثماني المنتدب للحجاز الذين أرادوا للعرب استمرار ظلام الجهل الدامس وأراد الله بهذا الرجل «جدي الأعظم/جد والدتي» خير له ونورا لأبناء المنطقة الغربية وهو المولود في 1300ھ الشيخ عبدالرؤوف بن عبدالعزيز جمجوم -رحمه الله تعالى-، لينشيء مع أخيه وصديقه الحاج محمد علي زينل علي رضا فيما بعد نواة ومنارة وأول صرح تعليمي في الحجاز وفي المملكة العربية السعودية وكيانا شامخا حتى عهدنا الزاهر الحاضر عهد خادم الحرمين الشريفين، ألا وهو مدارس الفلاح بجدة ومن ثم لحقتها بنصف عقد الفلاح بمكة المكرمة ومدرسة الجمجوم للبنات بجدة.

وبعد أن فاض الكيل بهذا الرجل العشريني بالتخفي بالطلاب لتعليمهم لأربع سنوات وتحديدا في نهاية 1327ھ حزم الحقائب ليمثل في الأستانة عاصمة الإمبراطورية العثمانية حاصلا على تصريح تفعيل المدرسة بجدة وباسمه وبشكل رسمي من السلطان عبدالحميد الثاني مخلدا اسمه بمداد من ذهب في تاريخ التعليم وواضعا لنفسه صدقة جارية بمشيئة الله تعالى لقيام الساعة وتقبلها الله منهما بقبول حسن، فجزاه الله عنا خير الجزاء.

ثم ينتقل أحد الأخوين المؤسسين الحاج زينل علي رضا للهند لتجارة اللؤلؤ لدعم المدرسة ماليا إضافة إلى الدعمين المالي والإداري في جدة من تجارة المغفور له بإذن الله عبدالرؤوف جمجوم.

يعتبر الشيخ عبدالرؤوف جمجوم -رحمه الله- أحد أعلام العلم والإدارة والتجارة في الحجاز وتحديدا جدة، حيث أصبح يمتلك أكبر منزل في حارة المظلوم لعوائل وأسر جدة ويسكن به جميع أفراد آل جمجوم من إخوة وأخوات وأبناء وبنات وأحفاد وحفيدات قبل توحيد الجزيرة على يد المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.

وكان يتحمل الصرف وإدارته على المدرسة والمعلمين والطلاب وأسرته وعلى الأوقاف من مساجد، حيث كان يعتبر وزيرا للأوقاف.

وفي إحدى السنوات وقبل أن يتوفاه الله عن عمر التاسعة والثلاثين وفي آواخر شهر رمضان المبارك أهمه أمر عظيم بعدم وصول شحنة تجارته لجدة لظروف الملاحة البحرية إبان الحرب العالمية الأولى مما نتج عنه شح في الموارد المالية لدفع مكافآت مستحقيها قبل عيد الفطر المبارك، وبإخلاص النية يدبر الله الأمر؛ لأنه خالص لوجه الله تعالى ويتواصل به الشيخ محمد الطويل لإيصال مبلغ ستمائة (600) ريال مجيدي قيمة إدارة الأوقاف.

وما كان من الشيخ عبدالرؤوف إلا أن يوزع المبلغ بين الأوقاف وبين المعلمين وأسرته للاحتفال بعيد الفطر المبارك إلى أن تصل شحنات تجارته.

وإن اليوم الوطني وذكرى توحيده لهو مناسبة سعيدة لتذكر الماضي ومقارنته بالحاضر في قطاع التعليم ولنحمد الله عز وجل على ما أسبغ علينا من النعم الظاهرة والباطنة. حيث انتقل التعليم من الخفاء ليرى النور، ومن الشح إلى أن أصبحت حكومة خادم الحرمين تغدق في التعليم بأكثر من خمس (20%) الموازنة العامة التريليونية للدولة حفظها الله. إضافة إلى برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الذي أرسى دعائمه الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- واستمراريته في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-.

وهذا البرنامج لم يأل جهدا في إرسال ودعم مئات الآلاف من الطلاب والطالبات المتميزين لأرقى جامعات العالم وفي شتى المجالات والتخصصات.

إن بحمد الله عز وجل تدوم النعم، وإننا نحمد الله عز وجل أن سخر لهذه البلاد الطاهرة ولاة أمر يهتمون بالتعليم بشكل خاص وبباقي مناشط الحياة وقطاعات الدولة، والله الذي أسأل أن يحفظ لهذه البلاد والحرمين الشريفين وولاة أمرها وشعبها ومواطنيها الأمن والرخاء والعزة والاستقرار وأن يحمينا ممن أرادنا بسوء وأن يشغله بنفسه إنه سميع مجيب الدعوات.

DrAbduljawad@