أحمد الهلالي

الجندي ورفيقته في يوم الوطن!

الأربعاء - 22 سبتمبر 2021

Wed - 22 Sep 2021

(هي لنا دار) قالها وهو يسحب أجزاء بندقيته السعودية، ويمرر الفرشاة المزيتة عبر فوهتها الرهيبة، يزيل آثار بارود الأمس، يتأمل بريقها، يضمها إلى صدره ويهمس إليها: لا تخافي أيتها الحرة، فقد مزقت الخباء، ولن أحبسك في ظلماته، سنخرج بعد قليل إلى مكان ألِف صوتك المهيب، وشهد أفعالك المشرفة، إلى تلك الأحجار التي حفظت أناشيدك الثائرة، وأنت تؤلفين (سيمفونية الموت) لفئران الخراب، هيا يا جميلتي، اصعدي إلى منكب يبهجه التفاف حمالتك عليه، تحسسي اشتياقه إلى ركلات كعبك حين تزمجرين غاضبة، هيا أيتها الأنيقة سنؤلف معا إحدى وتسعين أغنية فدائية للدار الماجدة.

يحملها بكل ثقة على منكبه، ويسير بحذر المقاتل ونباهته، يراعي رفيقته في انحنائه وفي جلوسه وفي زحفه، يحميها من كل شيء، يغار عليها من ملامسة التراب والصخور وأغصان الشجر، فإن انحنى مد يده إلى كعبها وأمالها، وإن جلس احتضنها، وإن زحف رفعها بيد وزحف على الأخرى، وإن اعترضته أغصان شجرة، أو مضيق صخري، وضعها على منكبه الآخر، واحتمل الأذى بجسده، ويظل على هذه الحال حتى يصل إلى (الدشمة) نقطة الحراسة، يضع جعبته وكل أحماله إلا هذه المدللة، يأبى أن تفارق منكبه إلا إلى يديه.

يجلس الصقر منتبها، عيناه الحادتان ترصدان كل شيء، تتحركان بأناة كحركة الماسح الضوئي، وأذنه تلتقط دقائق الأصوات، لا يشغلها عن ذلك صوت اللاسلكي المعيّر على قياس آمن، وفي هذه الأثناء تلتقط عينه حركة صغيرة من خلف إحدى الصخور، فيستأذن بندقيته يغطيها بغطاء التمويه، ويقول: ابتهجي، ستزأرين وتمسحين الزيت من قصبتك يا لبوتي، يمدها من خلف الساتر الصخري، ويشدها على منكبه، هامسا إليها: هل أنت مرتاحة الآن؟ يراقب مكان الحركة عبر مكبر الرؤية، ويظل ساكنا، فيبتسم حين يظهر أرنب بري، فيمسح بيده على ظهر الرفيقة: هذا ليس من صيدك، ولا يستحق غناءك!

يظل بكامل يقظته وانتباهه، يسمع حسا من أسفل، فيستنفر رهافة حواسه، يوجه فوهة الرفيقة إلى مصدر الصوت، فيظهر ثلاثة رجال مسلحين، يتأكد أنهم العدو، فيقول لها: هل تذكرين أغنيتك الخضراء؟ يوم جندلت ستة في غمضة عين؟ أعتذر منك هؤلاء ثلاثة فقط؟ واليوم يوم الوطن ثلاث كلمات (هي/ لنا/ دار) لكل كلمة واحد، هيا أيتها الخضراء، سارعي إلى أمجادك، (يهبش) الزناد برفق فتجندل الأول، وقبل أن يحدد الآخران مصدر الصوت تجندل الثاني، فيلوذ الثالث بجذع شجرة، يمسح الجندي قصبتها الساخنة: ثقتي بك لا حدود لها يا حامية الدار، الثالث لك، ثم يحاول سحب فوهتها من فتحة الساتر الصخري لينتقل إلى مكان آخر، لكنها تأبى، فيقول: اطمئني، أعلم أنك تريدين الزئير، ثم يطلق طلقات متتابعة جوار الشجرة، يستسلم المقاتل، يلقي بندقيته ويرفع قطعة بيضاء، فيأمره أن يخرج متجردا من كل ملابسه الخارجية، ويأمره بالصعود على مهل، يأسره، ويقول لرفيقته: الأموات لك والأحياء أيضا لك، فأنت حامية الدار و(هي لنا دار).

ahmad_helali@