شاهر النهاري

فلسفة اليوم الوطني

الأربعاء - 22 سبتمبر 2021

Wed - 22 Sep 2021

يوم معنوي رمزي اختارته عصارة عقول وقلوب وتقاليد وانتماءات البشرية؛ ليكون احتفالا معنويا سنويا، تبدي فيه الشعوب مظاهر حبها وامتنانها، وسعادتها بأن لها وطنا.

ومن حق كل مواطن أن يحتفل بوطنه، سواء كان بشكل جماعي مع حكومته، ومع إخوته من بقية مكونات الشعب، ومع المقيمين على أرض وطنه، أو بشكل فردي خاص، يؤكد فيه لنفسه محبته لكيان عظيم هو منه لا يتجزأ، ويرسم روعة معان عميقة أنبتت نعومة أظافره، وتمازجت مكوناتها مع أنفاسه، بوئام ومحبة، ومشاعر عزة وفخار، وحقيقة أن قيمة الوطن لا يعدلها مثيل، مهما مر بضوائق، أو تنازعت وسطه العصبيات، أو لاح الفشل في نتاج مرحلة من وجوده، ليستمر الوطني مؤمنا بأن الأفضل قادم، وأن البيادر ستثمر بجهود المحبين، يفلحون الوجود مخلصين متفانين ويجنون المحاصيل، ويبنون الصروح، ويحكون حكاية وطن بوحدة وبقاء على عدالة ومساواة تمثل كينونة حب الوطن.

الإنسان عندما يملك وطنا، فلا تسأله عن قيمة ما يملك، فقد يصيب البعض الغباء والغرور وحب التغيير، والتململ والطمع، ليشوهوا الصور ويسيئوا لمن بأيديهم الحل والربط، ولكن اسأل من ليس لديه وطن وستتعجب من تباين الإجابات.

شعوب الأوطان الأصيلة تتناغم مع حكام عدالة مخلصين يحمونها، ويفتدونها بكل عزيز، ومهما زاد، أو نقص نبض شعورهم، إلا أنهم بالغالب يستمرون مترابطين، قلب هذا على ذاك، فلا تدخل بينهم حبائل الشياطين، ولا الدخيل، ولا حب الأنا، والطمع، والعنصرية، والطبقية.

ويزيد من روعة الوطن حكام يمثلون العطاء، والشعور بنفس مشاعر المواطن، كونهم منه وهو منهم، وكون أبوابهم مشرعة، وكون مستشاريهم من خلاصات الشعب بكل أطيافه، يشاركونهم القرار.

شعب عظيم يتفق ويتحد مهما تباينت الظروف العالمية، ومهما وجدت المصاعب، وحتى وإن نشبت الحروب، ومهما اختل التوازن الاقتصادي، تستمر المعالجة، وتستمر سفينة التعاون والمساواة والحب مبدعة في رحلتها، تسرع مرة، وتتمهل مرة، وتلتف حول عائق، وتحذر الجليد والشعاب الضحلة، ودون أن يتوه المسار، متمسكين بشراع عدالة.

مسار نماء وتقدم، وإن اشتدت الرياح تداركتها مجاديف وأقلام وسواعد المخلصين القوية، تتبع رؤية ربان متسقة متكاملة مع نوايا وهمم المبحرين بطاقة الوفاء، وضمن رحلة شفافة تسعى لإرساء الأمن والسلام، ولا تعطي الفرصة للانتهازيين، ولا تنزوي، ولا تتهور بدخول مسارات عسيرة، ولا تعيقها مناطق سبخات وحيرة.

اليوم الوطني احتفال برحلة قديمة متجددة يتربى على مقودها ويتعاقب على دفتها وأشرعتها وصيانة حبالها ومطلاتها أجيال من المخلصين، يستلهمون النماء، ويحترمون حكمة وخبرة أجيال الكبار المعلمين، وكل له المثل الأعلى، وله نية تبدع في زرع الحب والوطنية والفخر، وعين نزاهة تراقب كل فاسد وطامع وخائن يراعي نفسه بدلا عن مراعاة المجموعة.

فلسفة منظومة وكينونة يوم الوطن لها من يدرك فحواها، فيرتقي ويحب ويخلص ويعمل ويضحي من أجلها، ليستمر وطنه أيقونة في قلبه.

ولكن، ولاختلاف البشر والنوايا نجد مرات من لا يعرف، ولا يخلص، فيصبح الوطن عنده مجرد سلطوية واحتيال وتكريس مصلحة، فلا يعود يمانع باستبدالها بأي بلد بديل، والعيش معارضا، بفهم أحادي ومحاسبة على أساس ربحه الشخصي والمادي، وكم ينتهي مثل هذا بخيبات وندم، وحتى ولو عاد متأخرا للاحتفال بيوم الوطن، سيفشل مدركا أنه قد فقد بجفوته معاني وطنه وذاته.

shaheralnahari@