برجس حمود البرجس

الاستثمار الجريء بالمملكة

الثلاثاء - 07 سبتمبر 2021

Tue - 07 Sep 2021

عند بدايات «الاستثمار الجريء» عالميا، كان هذا النوع من الاستثمارات شبيها بالمراهنة على نجاح الشركة أو المشروع؛ فيتجرأ المستثمر بضخ مبالغ مالية في مشروع لم ير النور بعد (أو ربما لم يبدأ) ولكنه مؤمن بنجاحه مستقبلا، وعادة يكون أصحاب المشروع والقائمون عليه ليسوا ممن سجلت لهم نجاحات سابقة قبل ذلك.

أما اليوم، فالاستثمار الجريء أصبح شبه مضمون، فالمستثمر لديه معايير مختلفة، فهو يستثمر بناء على إيمانه بفريق العمل وشركاء العمل (الشريك التقني والشريك الممول والقدرات التسويقية وعناصر التنافس وغيره)، وإيمانا بنجاحات مماثلة عالميا بفكرة المشروع، والبعض يستثمر لأن شركات استثمارية ناجحة استثمرت بهذا المشروع، وبقية المعايير التي أصبحت سهلة عند كثير من المهتمين بريادة الأعمال والاستثمار الجريء.

ليس سرا أن يكون أي مشروع يقدم خدمات في التقنية المالية أو التسوق الالكتروني أو خدمات التوصيل يعتبر مشروعا ناجحا إذا تقدم القائمون على المشروع بتقديم خطة عمل موضحين بها العناصر الرئيسة وعناصر النجاح والمنافسة.

الاستثمار الجريء لم يعد جريئا كما كان في السابق، بل أصبح فرصة لشريحة مقتدرة على الدعم والتمويل والاستفادة من هذه الفرص التي ممكن أن تحول فكرة بسيطة يقف خلفها رياديو أعمال من ذوي الكفاءات العالية إلى شركة مليارديرة عالمية. يبقى النقاش والجدل متمحورا حول اقتناص الفرص (قليلة المخاطر) والاستثمار بأقل مبلغ لكسب أكبر حصة من الشركة.

الشركات الناشئة الواعدة تكون في بداياتها في وضعية «المستجدية» للاستثمار من المستثمرين «المتشرطين»، وعندما تتضح معالمها بالتحليق فوق السحب، تتحول تلك الشركات إلى «متشرطة» والمستثمرون يأخذون وضعية «المستجدين». المعذرة على هذه التعبيرات فلم أجد وصفا يتعاطف مع الضعيف منهم في زمن غير زمنه.

الاستثمار في المراحل الأولى من الشركات الواعدة يعتبر هو الأجدى للمستثمرين ولكنه يتطلب قراءة ثاقبة لمستقبل الشركة، وأيضا دعمها تقنيا وتسويقيا وإداريا، وهذا النوع يعتبر أكثر جرأة من السابق (خصوصا في المملكة)، حيث إن صناديق استثمارية في المملكة كانت تشترط نجاح المشروع قبل الاستثمار به، ولكن الآن هذا الخيار سيكون مكلفا عليها، فالجميع تقريبا تعلموا قواعد اللعبة، وبذلك يكون فعلا الاستثمار في المراحل الأولية استثمارا جريئا.

الاستثمار الجريء في المملكة فرصة للاثنين، «رائد الأعمال» وأيضا «المستثمر الجريء»، رائد الأعمال صاحب الفكرة والمنشأة وشركاؤه يستهدفون نمو الشركة بشكل سريع، حيث تتحول من الصفر إلى مئات الملايين خلال سنة أو سنتين أو ثلاث سنوات. أما المستثمر الجريء فهو غالبا مستثمر تقليدي أو تاجر لأعمال تقليدية ولكنه أدرك أنه يستطيع بناء ثروات خلال ثلاث أو خمس سنوات تعادل الثراء الكبير الذي جمعته عائلته خلال نصف أو ربع قرن.

إحصاءات مهولة وجاذبة في هذا المجال، فمتوسط الاستثمار الجريء الشهري بالسعودية وصل إلى أكثر من 100 مليون ريال خلال النصف الأول من هذه السنة، حيث حصلت الشركات الناشئة في السعودية على استثمارات جريئة بحوالي 620 مليون ريال في النصف الأول من هذا العام 2021م (ستة أشهر)، وهذا يعادل تقريبا حجم الاستثمار الجريء في المملكة خلال عام 2020م كاملا (12 شهرا)، ويعادل أيضا تقريبا مجموع حجم الاستثمار الجريء في المملكة خلال عامي 2019م و2018م معا (12 شهرا).

تساهم الشركة السعودية للاستثمار الجريء (وهي شركة حكومية تابعة لهيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة) في تحفيز هذا القطاع للمنشآت الناشئة والواعدة بـ 2.8 مليار ريال، مستهدفة تطوير منظومة الاستثمار الجريء من خلال تحفيز الاستثمار في الصناديق الاستثمارية والاستثمار بالمشاركة مع المستثمرين الملائكيين لسد الفجوات الاستثمارية والدعم المبكر في مراحل النمو الأولية لهذا القطاع.

من المتوقع أن يزداد نشاط هذا القطاع في المملكة وينمو كثيرا، حيث إنه يعتمد بتركيبته الحالية على تقديم خدمات تجد زبائن بسهولة، فالمملكة سوق واعد لخدمات تطبيقات التوصيل والتكاسي والبنوك الرقمية والمدفوعات الجديدة، أي أن الإقبال على استخداماتها كبير وأرباحها مضمونة ومهولة.

Barjasbh@