عبدالحليم البراك

الرابح من النقد السلبي!

الاثنين - 06 سبتمبر 2021

Mon - 06 Sep 2021

في غرفة صغيرة مملؤة بالكتب والملابس والأدوات الخاصة والفوضى، وربما تحولت مع الوقت إلى مستودع كبير، تراكمت الأشياء هنا وهناك، كان هناك ثلاثة أشخاص ينظرون إلى هذه الغرفة بنية ترتيبها وإعادة تأهيلها؛ لتكون غرفة حقيقية للمعيشة الإنسانية، الأول ينظر إليها ويعرف تماما كيف يرتبها، فهو يملك رؤية واضحة عنها الآن، وكيف ستصبح بعد ترتيبها، أما الآخر فإنه ينوي أن يخرج كل ما فيها بعدها، يقوم بترتيبها عندما يرى عيوبها وأشياءها فيتعرف على ما سيرمي خارجها وما سيحتفظ بها بعد أن يستعرض محتوياتها، أما الأخير، فإنه لا يملك رؤية لوضعها مستقبلا في ترتيبها ولا يعرف إن أخرج ما فيها كيف يعيد ترتيبها؛ لأنه متردد فيما هو مهم وما هو غير مهم» هذه أمثلة النقد الثلاثة، الأول كان يمارس نقدا إيجابيا فعالا، فهو يعرف ما يفعل تماما، بل ويملك رؤية مستقبلية عن شكل الغرفة كيف ستكون، إذن هذا هو النقد الإيجابي الذي يعرف ماذا ينقد، ويقدم البديل الجاهز، أما الآخر فهو النقد المحايد، الذي يعرف سلبية ما يحدث وهو يعرف أن الوضع سيئ، وأن أي تغيير بعد استبعاد السلبيات حتما أفضل من وضعها الحالي، والأخير هو النقد السلبي الذي يعرف أن الوضع سيئ لكنه لا يقدم البديل المناسب، بل لا يعرف ما هو المناسب، وكل ما يعرفه هو أن الوضع الحالي سيئ.

معظم من ينظر لهذا المثال، ينظر إلى الوضع كالآتي: الأول مثالي، والآخر منطقي وعقلاني، الأخير سلبي، وربما رفض بعضهم المثال الثالث بحيث أنه لا يقدم البديل المناسب، والحقيقة أن كل الثلاثة يتمتع بالصواب، فلو خير أحدنا بينهم لرفض الأخير؛ لأنه لا يملك رؤية ولا يملك بديلا لأنه فقط ينتقد. والحقيقة أن الناقد الأخير برغم أنه أسوأ المراحل الثلاث على الإطلاق إلا أنه أفضل بكثير من بقاء هذه الغرفة على حالها.

إن النقد السلبي، وبرغم كل سلبياته على المستوى القصير، إلا أنه أفضل بكثير من بقاء الأعمال بلا نقد مطلقا وتبقى الرؤية في ذلك أن النقد السلبي قد يهدم الأساس من أصله، وهذا يعني استفحال المشكلة أكثر، واستفحالها أكثر يعني ضرورة التدخل لحلها؛ لأنها أصبحت واقعا لا يطاق، فأحيانا «أفضل حل لمشكلة ما هو زيادة الإشكالية، إذ أن الحلول الترقيعية يمكنها أن تؤجل حل المشكلة حتى تتراكم المشاكل فتصبح مسألة حلها بالغة التعقيد».

ونحن نشير إلى أن الهدم قد ينفع، وقد ينفع مع الإشكاليات المتراكبة والمعقدة والأكثر التواء، فالنقد يصحح، مهما كان سيئا، وقديما قال أحدهم: لو خيرت بين نقد سلبي وعدم النقد لاخترت النقد السلبي على عدم النقد؛ لأن عدم النقد يفاقم المشاكل ويولد حلولا أحادية دكتاتورية تسلطية قمعية لا يمكن معالجتها مع مرور السنوات.

ولك أن تلاحظ بعض المشاكل حولك بلا استثناء بعضها من جملة تعقيداتها لا يمكن التفكير فيها، لكن العظماء يأخذون على عاتقهم أحد الخيارات الثلاثة سالفة الذكر، ثم أنه يعمل ويفعل ثم تجد الإنسان بقدرته على التأقلم يتقبل الحلول الجديدة مهما كانت مؤلمة أو غريبة أو حتى أقل من تلك الحلول المثالية!!

Halemalbaarrak@