أمين شحود

من أين أنت؟

الاحد - 05 سبتمبر 2021

Sun - 05 Sep 2021

جاء يسألني عن مكان أحد المكاتب أثناء انتظاري المصعد.. أخبرته أن المكتب في الدور الرابع.. ركبنا المصعد سويا، فبادرني بسؤال: أنت من وين؟

قلت في نفسي: يا صباح خير!

إذ ليس من المنطقي أن يسألني عن ذلك؛ فلم يمض على لقائنا إلا ثوان معدودة، كما أننا لسنا في موضع تعارف.

تجاهلت سؤاله فأعاده، لأجيبه مازحا متصنعا ابتسامة: القصة طويلة، ونحن الآن صاعدون، عندما ننزل سوف أجيبك.

ثم مضى كل منا لإنجاز ما أتى لأجله، وحمدت الله على نجاح «التصريفة».

إن سؤال «من أين أنت» بات يوجه إلينا كثيرا: من سائق تاكسي، أو بائع في السوق، أو مثقف في أمسية أدبية أو فكرية خالصة، وحتى عندما تحكي موقفا تعرضت له مع أحد فإن أول ردة فعل لهم تجاه الموقف: من أين هو؟!.

لماذا يريد الناس معرفة أصلك وفصلك؟ هل هو الفضول أم حب التعارف؟ وخاصة إذا استثنينا أن يكون ثمة نسب أو تجارة أو جيرة أو زمالة عمل دائمة أو صداقة مستمرة (التي ربما - أقول ربما - تكون أسبابا مبررة للسؤال).

أعتقد أن السبب الرئيس لذلك هو ما يعرف بـ «التمييز الخفي»، أي تصنيفك ووضعك في قالب بناء على معايير محددة، فتترسخ تلك التصنيفات في العقل اللاوعي ثم تظهر لا إراديا في بعض السلوكيات وملامح الوجه وفلتات اللسان.

من المؤسف حقا أن يبحث الناس عن الاختلافات بدلا من المشتركات، ومن المحبط أن يحكم عليك مسبقا من خلال أصلك وليس أخلاقك أو فكرك.

إن «التعميم» في إطلاق الأحكام لعنة أصيبت بها البشرية، لتضاف إلى لعنات سابقة مثل «الفوقية» و»الطبقية» و»التفاخر» و»الهياط»، وإنهم -والله– ليحكمون عليك من شكل ملابسك وما تضعه على رأسك ومن نوع سيارتك ومن الحي الذي تسكن فيه، يخلقون المعايير ليصنفوك.. فقط ليصنفوك، فإن صنفوا الأباعد وارتاحوا منهم التفتوا إلى الأقربين وصنعوا لهم معايير تصنيفية أخرى.

فإذا كان التمايز والاختلاف سنة كونية (وجعلناكم شعوبا وقبائل) فذلك (لتعارفوا) لا لتظالموا أو يقصي بعضكم بعضا.

ليت البشرية تتخلص يوما من تبعات اختلاف الأحساب والأنساب، وأن يكون التعريف عن النفس بناء على ما يعتنقه الإنسان أو يؤمن به أو يتحلى به من فكر وأخلاق وسلوك، وإن كنت أجزم بصعوبة ذلك بل استحالته؛ فهو ديدن الناس منذ أيام (من أين أنت يا أخا العرب) إلى يوما الحالي.

دارت تلك التساؤلات والخواطر في رأسي أثناء إنجاز مهمتي التي استمرت لنحو ساعتين.. وطلبت المصعد استعدادا للنزول.

وإذ بصاحبنا يدخل معي المصعد ويقول لي: هاه.. ما قلت لي، أنت من وييين؟!!!!!