علي المطوع

بغداد الرشيد.. ما الجديد؟

الاحد - 05 سبتمبر 2021

Sun - 05 Sep 2021

للمرة الأولى وبعد غياب طويل، تعود بغداد إلى واجهة الأحداث السياسية في المنطقة، كونها كانت مسرحا لمؤتمر جمع الفرقاء والأضداد على طاولة واحدة، في مشهد قد يكون بداية عودة العراق إلى محيطه العربي والإقليمي قوة فاعلة تسهم في حفظ توازن الشرق الأوسط.

كل الكلمات التي قيلت في المؤتمر كانت تدور حول استقرار العراق وعظمة شعبه ودعمه اقتصاديا وسياسيا ليعود مزدهرا كونه يملك من التنوع والتعدد والإمكانات ما يجعله نسقا مستقلا لدولة نموذجية تملك من القوة ما يجعلها الأكثر حظوة وسطوة في محيطها العربي والإقليمي.

السياق الزمني لهذا المؤتمر جاء بعد مصالحة العلا التي كانت خطوة أولى لإعادة ترتيب المنطقة العربية وفق ما استجد من أحداث ومتغيرات، تزامن معها تغير في الإدارة الأمريكية حضر بموجبه الديموقراطيون ومشاريعهم التي تختلف كثيرا عن نظرائهم الجمهوريين.

كانت العلا مبادرة سعودية خالصة طوت صفحة أعنف أزمة خليجية كادت أن تعصف بمشروع الخليجيين الوحدوي، وبعدها جاءت التفاهمات التي تلتها بين الرباعي العربي وتركيا وكان نتيجتها العودة إلى مسار شبه طبيعي من العلاقات يراعي مخاوف الدول العربية، وهو ما جعلها تتلقى المؤشرات الإيجابية التي أطلقتها تركيا بنوع من الرضا والاستحسان.

بعد ذلك كان العراق يلعب دور الوساطة بين بعض الفرقاء في المنطقة وكان الكاظمي وما زال يحظى بثقة واحترام الجانب العربي في مساعيه لحلحلة الخلافات الإقليمية بين هذه الدول وإيران، وما هذا المؤتمر إلا ثمرة من ثمرات التفاهمات التي تسود المنطقة منذ اتفاق العلا القريب.

والسؤال المهم هل تستطيع إيران بأبعادها الأيديولوجية ومفاهيمها الثورية الانخراط في هذه التفاهمات للوصول إلى حالة الاستقرار المنشود؟، والجواب أنه من المبكر جدا الحكم على السلوك الإيراني القادم، وخاصة أن تناقضات هذا البلد وتجاوزاته ما عادت تخفى على أحد، وأن صور النشاز التي تمارسها إيران على كل المستويات تؤكد أنها غير قادرة على صناعة حالة من التفاهم تجعل الآخرين يطمئنون لسلوكها ويتفهمون طبيعة حضورها في المشهدين العربي والاإقليمي.

الملف النووي الإيراني يظل القضية الأهم التي تبني عليها إيران مواقفها المختلفة وأي تفاهم مع الغرب في هذه القضية لا يراعي المصالح العربية سيفاقم الوضع في المنطقة وسيزيد من سطوة إيران للتدخل في العالم العربي، عندئذ لن تجلس إيران مستقبلا على أي طاولة حوار مستديرة مع الفرقاء كونها طوت ملفا خلافيا كبيرا مع الغرب والشرق يسهم في جعلها بعبعا للمنطقة وللعالم.

مؤتمر بغداد وإن ظهرت فيه حسن النوايا العربية تجاه العراق والمنطقة، إلا أنه بالنسبة للإيرانيين كان حضورا تلفزيونيا وأسلوبا دعائيا عدائيا، يحاول اللعب على الوقت وإرسال رسائل للداخلين العراقي والإيراني وللعالم أيضا، مفادها أن هذا النظام ما زال ممسكا بخيوط اللعبة في المنطقة، ومتمسكا بمشاريعه التخريبية فيها، وأن مفاهيمه الثورية لن تتغير، كل ما سيتغير هو أسلوب الخطاب وما يقتضيه بين فترة وأخرى من دبلوماسية تلطف شيئا من لغته ومصطلحاته، كما كان في عهد الوزير السابق ظريف، إلا أن وزير الخارجية الإيراني الجديد حضر المؤتمر بسلوكيات بعيدة عن القواعد الدبلوماسية المعهودة، وإن كانت تلك السلوكيات هي ما يعكس ويجسد الخطاب الإيراني الأصيل وتجاوزاته العدائية على الواقع ومفاهيمه، وما تخطيه أقرانه والوقوف كتفا بكتف مع الزعماء والرؤساء إلا انعكاسا لمفاهيم الثورة الخمينية التي يراد تصديرها عبر الوكلاء إلى العالم العربي من الخليج إلى المحيط.

alaseery2@