أحمد بني قيس

تشويه الوسطية والاعتدال

الخميس - 02 سبتمبر 2021

Thu - 02 Sep 2021

يقول الله عز وجل في محكم تنزيله: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا» ويقول رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلّم - في نفس السياق: «أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ». وفي هذين الاستشهادين دلالة واضحة تبين مدى حرص الدين على الاهتمام بأمرين، الأول التركيز الذي يوليه الدين للوسطية والاعتدال، والثاني تحذير الدين ونبذه للغلوّ والتطرف والإرجاف في الأرض.

وقبل الخوض في دلالات عنوان المقال دعونا أولا نتأمل بتفصيل أكبر في الاستشهادين السابقين اللذين تم تشويه معناهما والمراد من ذكرهما وكيفية تطبيقهما كما نرى في حال الكثير من الحركات «الإسلاموية» التي تدعي الوسطية والاعتدال وتزعم تطبيقها لمنهج التيسير لا التعسير رغم أن الواقع يكذب تلك المزاعم، خاصة بعد أن اتضح أن منهجها الذي تزعم أن مراده فقط الدعوة إلى التمسك بالدين الحق دون إفراط ولا تفريط ليس إلا محض ادعاء لا تسنده لا أفعالهم ولا أفكارهم  التي يبشرون بها ومن بين هذه الحركات جماعة الإخوان «المتأسلمين» الذين يشهد واقعهم قديما وحديثا بأنهم كانوا ولازالوا من أكثر الحركات الدينية تطرفا وتزلفا منتهجة في ذلك مبدأ الكيل بمكيالين، حيث إننا نراها تدعو الناس دعاء دينيا فيه نوع من اللين المزيف والحرص الميال لدغدغة عواطف المسلمين من جانب ومن جانب آخر  نراها تمجد الإرهاب وفاعليه بل وتساعد فكرهم الضال على التوسع والانتشار واستقطاب صغار العمر والعلم مستغلة في ذلك عاطفتهم الدينية البريئة واندفاعهم  وحماسهم وحميتهم  النقية المخلصة للدين وأهله. 

وقد أفرزت هذه الحركة العديد من التنظيمات التي أصبح يكفر بعضها بعضا كتنظيم الدولة الإسلامية الملقب بداعش وتنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية التي عملت على تشويه الإسلام من حيث تعلم أو لا تعلم في مختلف بلدان هذا العالم الذي كان في الماضي تنحصر تجاوزاته علينا في أمور تافهة كاعتقاده مثلا بأن العرب مجرد بدو يعيشون في خيام وأمام كل خيمة بئر من النفط أما الآن وبعد انتشار إرهاب هذه الجماعات المارقة عن الدين أصبح الإسلام وأصبحنا معه عبارة عن حماة دين يحث في نظرهم على الكراهية وسفك الدماء ويستبيح ليس فقط دم الآخر بل حتى ماله وعرضه وكل ذلك كان «بفضل» جرائم ارتكبتها تنظيمات إجرامية كداعش وغيرها والتي لم يقتصر إجرامها على غير المسلمين بل تجاوز ذلك ووصل لحد تحريض أفرادها على قتل حتى أقاربهم وذويهم بذريعة أنهم كفار يجب التخلص منهم كما طال أجرامهم بيوت الله ومن يصلون فيها فكيف بالله عليكم يستقيم هذا الفكر الجاهلي البعيد كل البعد عن أبسط تعاليم الدين.

هذا بالنسبة لداعش أما بالنسبة لتنظيم القاعدة الذي كان سابقا لوجود داعش إلا أن إرهابه لا يقل عنها شراسة؛ إرهاب طال الجميع مسلمين وغير مسلمين كل هذا باسم الانتصار للدين وباسم حث المقصرين وغير المقصرين على الالتزام به كما يفسرونه هم وكما يرون أنه حق رغم أن بعض التمحيص يكشف للممحص مدى ظلال وزيف تلك الدعاوي الناتجة عن سوء فهم للدين وعن جهل بحقيقة تعاليمه وأيضا عن جهل بكيفية الدعوة إلى دين الله وبكيفية تحبيب الخلق فيه وفي أهله.

وأخيرا ننتقل لحركة ما يعرف بالصحوة التي كان لها دور كبير في تأليب الناس على بعضهم البعض وعلى ولاة أمرهم بذريعة نصرة الدين وإصلاح المجتمع كما يزعمون، وكانت النتيجة الحتمية لمصير هؤلاء أن تم إيقافهم عند حدهم بعد أن تفاقم خطرهم على الدين قبل أي أمر آخر وعلى سلامة ووحدة المجتمع ومن المفارقات التي أراها أنا مضحكة أنهم كانوا يدعون الوسطية والاعتدال رغم كل التشدد الذي صاحب وجودهم وتضييقهم المفرط ما يجعلني أسألهم وأسأل المتأثرين بهم إذا كانت ممارساتكم يا أتباع الصحوة ممارسات وسطية ومعتدلة رغم كل ما ذكرته آنفا عن تشددكم الذي عانى منه القاصي والداني فما هو يا ترى التشدد في نظركم؟ وما هي سماته؟ ومن هي الهيئات التي ترونها متشددة إسلاميا في حاضرنا الراهن حتى نستطيع التفريق بينكم وبينهم وبالتالي نتجنب الوقوع في براثنهم؟

وختاما أستحضر قول الله عز وجل في شأن الاعتدال ونبذ الغلوّ: «لَا تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْحَقَّ» وقول رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-: في شأن التيسير «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا» وفي هذه التوجيهات دلالة واضحة على أهمية نبذ الغلو والتحذير منه لما له من سلبيات تؤدي حتما إلى نشوب صراعات وأزمات الجميع في غنى عنها كما أن في التوجيه النبوي سالف الذكر تركيز أيضا على أهمية التيسير في الدين وأنه أس العمل به أما من ناحية تصويب الأخطاء ودعوة البشر للدخول في الإسلام فهنالك توجيه رباني ثابت هو المنهج الحق لتحقيق تلك الغاية، منهج يقول فيه رب العزة: «ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» وجميع هذه التوجيهات سالفة الذكر هي ما تفتقر إليه الجماعات المذكورة أعلاه مما تسبب في إرباك مفهوم الوسطية والاعتدال وتشويهه لديهم ولدى العامة المؤيدين لهم وهذا الفهم السقيم يستوجب قيام علماؤنا الأجلاء بتوضيح هذه المثال وتحذير المسلمين من الوقوع فيها والتأثر بها؛ لأن عواقب عدم فعل ذلك كارثية على الإسلام وعلى المسلمين والله أعلم.

ahmed_baniqais@