أحمد الهلالي

علبة تونة بمليون ريال؟!

الثلاثاء - 31 أغسطس 2021

Tue - 31 Aug 2021

على وشك توقيع عقد شراء شقتي الجديدة، تتسارع نبضاتي، وترتجف يداي، وأشعر برفيف وجنتي وحاجبي وشفتي، فأنا أمام قرار مصيري، سيلازمني زمنا طويلا، راتبي الشهري لا يمنحني أوسع منها، أخشى أن تكبر عائلتي فلا تكفينا، لكنني لا أملك خيارا آخر إلا (الإيجار)، أمسك بالقلم وأنظر في شاشة موظف خدمة العملاء في البنك لأتمثل توقيعي البنكي المعتمد، هذا التوقيع الذي مللت من استخدامه وهو يسلكني في ربقة المديونين دائما، كان الأمر لخمس سنوات فقط، أما اليوم فسأستخدمه لخمس وعشرين سنة أو تزيد، حين حركت القلم على الورقة اصطدم أحدهم بالكرسي الذي أجلس عليه (عنوة) فتحرك القلم على كامل ورقة العقد، فانتفض الموظف واقفا يصيح في الرجل، وأنا ساهم في الورقة التالفة فالتفت إليه فإذا به يضع كفيه على بعضهما (كتحية البوذيين) متأسفا، فنظر إلي بعينين حادتين فإذا هو الشاب السبعيني (مصلح)!

وقفت لأسأله عن فعلته، فقال: هل صليت الاستخارة؟ قلت: أكثر من عشرين مرة!، فابتسم قائلا: تلف العقد إحدى علاماتها، فاخرج إلى أهلك راشدا، قلت: هم ينتظرون هذه اللحظة التي نتملك فيها منزلا، قال: أخبرهم بما جرى، ثم أخذ بيدي إلى الباب، وموظف البنك يلاحقنا ويحاول إقناعي بإكمال العقد، لكنني انسقت بلا وعي وراء مصلح إلى الخارج وعند السيارة قال لي: يا سيدي لو دفعت إيجارا لمدة خمسين عاما لما كلفك ثمن هذه الشقة التعيسة، أتشتري علبة تونة بمليون ريال؟ كم سيكون عمرها الافتراضي؟

وماذا إن كبرت عائلتك؟ أو استضفت أحد والديك عندك؟ ماذا ستفعل حينها وهي لا تلبي متطلباتك؟ هل سيساعدك راتبك لشراء شقة أخرى بذات السعر أو أعلى؟!

قلت: يا مصلح، أنا لن أدفع كل هذا المبلغ، هناك دعم تقدمه الدولة لمدة خمس سنوات، وبعدها سأدفع. ضحك وقال: مهما كان، هذا المبلغ كبير جدا على شقة معلقة في عمارة مزدحمة بالسكان، هذا السعر ليس عادلا لهذه العلبة الأسمنتية، إنها ألاعيب المطورين العقاريين، وأخذ بيدي وأشار إلى عمارة قديمة، وقال: هذه العمارة عمرها حوالي 30 سنة فقط، فانظر من سيسكنها بهذه الحالة، ثم ضرب رأسي بإصبعيه وهو يضحك متعجبا (فتّح مخك) وابحث عن قطعة أرض هنا والا في الديرة وابن عليها مأوى لك ولأسرتك من بعدك!

عدت إلى المنزل دائخا، لا أدري ماذا أفعل؟ وماذا أقول؟ وحين دخلت المنزل فاجأني صراخ عائلتي بصوت واحد (سربرايز) وهم يطلقون الرغوة البيضاء وقصاصات ملونة وبالونات الهيدروجين معلقة في السقف، وشيلة (بيتنا الجديد) وكعكعة كبيرة على شكل منزل وردي مكتوب عليها (منزل الهناء)، وابنتي في زاوية الصالة تصور الحدث، وحين اقتربت من الكعكعة اصطدم بي ابني الأصغر من خلفي، فدفعت الطاولة، وسقط البيت الوردي الحلو!!

ahmad_helali@