عبدالحليم البراك

الإنسان المدني المتوحش!

الاثنين - 30 أغسطس 2021

Mon - 30 Aug 2021

ما يميز الإنسان يتوحش به، ما يجعله متميزا عن أي كائن آخر هو ما يجعل الإنسان هو أسوأ كائن حي، إن هو استخدمه بشكل سيئ، تلك الصفات الإنسانية التي اصطفاها لنفسه وتميز بها عن غيره من الكائنات الحية هي ما تجعله متوحشا وكاسرا ومؤذيا وسيئا للغاية.

الإنسان هو الكائن الوحيد المتكلم، لولا بضع كلمات اكتشفها العلماء تطلقها بعض القرود للتعبير، فإنها محدودة وعملية ومفيدة للجماعة، هي سبع كلمات للقرود هي صيحة للهروب وصيحة للطعام وصيحات أخرى للفرح، وبعدها يتحول القرد لكائن غير متحدث بينما الإنسان كائن متحدث، وإن تحدث؛ فهو الكائن الوحيد المتحدث بالسوء والكذب والنميمة والتدليس والغش والحجة الباطلة التي يستقوي بها على الباطل.

والإنسان هو الكائن الوحيد المتدين ذو عقيدة، ويتطرف في عقيدته فتبيح له عقيدته القتل والإيذاء بلا سبب يذكر، فهو لا يقاتل من أجل طعامه أو أرضه أو جماعته كالكائنات الأخرى، بل يستطيل ويقتل من أجل اختلاف الفكر، فنعمة التفكير والدين صارت نقمة على الإنسانية بسبب روح التعصب الديني والعرقي.

والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يأكل بعد الشبع، فكل الكائنات تشبع وتنتهي من أكلها لكن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يموت تخمة، ويجلب لنفسه الأمراض إرضاء لشهوة الطعام التي لا تمتد إلا لفمه فقط، وإذا ما استقرت في معدته جلبت له الأمراض من سكري وكوليسترول ودهون ومصائب أخرى.

والإنسان المخترع هو الذي صنع الآلة، وصنع معها تدمير نفسه، فصنع السيارة لكن صنع القنبلة والصاروخ والسكين وصارت أدوات الصراع مع كائن مثله تماما، بل أخوته في الإنسانية، فصارت الصناعة وبالا عليه، وإن سلم من صناعة الحرب فهو يدمر بيئته بسيارته ومصنعه وأدواته وغازاته المنبعثة وتدميره للغابات والصحراء والمراعي، فهذا الكائن كلما تميز بشيء كلما دمر نفسه بما تميز به.

والإنسان هو الكائن الوحيد الذي لا يشبع من حب التملك، فكل الكائنات الأخرى محدودة الرغبة في التملك، تتملك فقط ما تحتاجه إلا الإنسان فهو يتملك ما لا يحتاجه، فإن كان له أرض يريد أرضا أخرى، وإن كانت له سيارة يريد أخرى، وإن كان له منزل رغب بمنزل آخر، فأي جشع يسيطر على هذا الكائن الذي يستولي فيه 20% منهم على 80% من خيرات الأرض، ولا يريد أن ينتهي من مسلسل الجشع والرغبة.

والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يفكر، فتتحول نعمة التفكير إلى نقمة التكفير والضلال والانحراف، فيفكر كيف يسيطر على ما ليس له ولا يحتاجه، ويفكر كيف يؤذي مسالما ويفكر كيف يسرق آمنا؛ فأي تفكير يريد الإنسان أن يصل إليه بعد هذا.

والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يفكر في المستقبل، وبرغم أنه يحسّن مستقبله بشكل مستمر إلا أنه أيضا مشغول بتدمير مستقبل غيره خشية من الآخر في عداء متصل مع نفسه الإنسانية، وبرغم حاجته للناس إلا أنه يريد أن يكون محظيا ورقم واحد في هذا الكون الفسيح.

والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعالج أمراضه، ويبحث في أدواته لينقذ نفسه، وفجأة يتحول من معالج إلى ناشر للأمراض البيولوجية، ومن راع للمختبر إلى مختبر للخراب والأمراض وراع لها ومهدد غيره بها، وكأنه كائن لا خلاق له، فأي صحة صارت وبالا عليه؟!

حتى التقنية التي تحسن من حياة الإنسان صارت تقنية لإيذاء الإنسان ومحاصرته في وقته وجهده وماله وحياته وخصوصيته وتربيته لأبنائه وبناته!

ولو فكرت أنه كلما تميز الإنسان بشيء، إلا اتخذه وسيلة لمحاربة بني جنسه وأهله وقومه والبيئة والأرض والسماء بما تميز به، والعقلاء في غيبة من مشهد تدمير الإنسان للإنسانية ولا يتخذون أي قرار!

Halemalbaarrak@