التعليم ما بعد جائحة كورونا: الصحة النفسية والسلامة العقلية للطلاب وضرورة الاهتمام بهما في مرحلة «الوضع الطبيعي الجديد»
السبت - 28 أغسطس 2021
Sat - 28 Aug 2021
يعود اليوم أكثر من 3 ملايين طالب وطالبة من المرحلة المتوسطة والثانوية والجامعية بالسعودية لمقاعد الدراسة بعد انقطاع دام 18 شهرا بسبب جائحة كورونا، والتي ألقت بظلالها على جميع نواحي الحياة في العالم، وأثرت بشكل أو بآخر على كل فرد يعيش على كوكب الأرض.
وللتخفيف من وطأة هذه الجائحة على الطلاب والمعلمين وضمان سلامتهم وسلامة عمليات التعليم والتعلم في مختلف مؤسسات التعليم العام والتعليم العالي قامت وزارة التعليم بجهود جبارة تكللت بالنجاح بفضل الله ثم بفضل وعي وتعاون أولياء أمور الطلاب، وبفضل أبطال الوطن من قادة التعليم والمعلمين والمعلمات وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، والذين عملوا بكل جهد وتفان لتقليل الفاقد التعليمي ودفع عجلة التعليم في الوقت الذي توقفت فيه عجلات الحياة في كثير من دول العالم الأخرى.
تبعات جائحة كورونا وأثرها على الصحة النفسية والسلامة العقلية للطلاب والطالبات:
وبالرغم من النجاح الكبير الذي حققته جميع أجهزة الدولة للحد من مخاطر وأضرار وتبعات جائحة كورونا على المواطنين والمقيمين والزائرين في المملكة صحيا ونفسيا واقتصاديا واجتماعيا، إلا أن حجم الجائحة وخطورتها وقوتها وشراستها ووسع انتشارها والتغيرات التي طرأت على حياتنا بسببها أكبر بكثير من قدرة الكثير منا على تحمل واستيعاب هذه التغيرات والتعايش معها أو مع ما يسمى بـ«الوضع الطبيعي الجديد».
فقد قامت منظمة اليونسكو وعدد من المنظمات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية بعمل عدة دراسات متعددة لدراسة مدى تأثير جائحة كورونا على الصحة النفسية والسلامة العقلية لدى الطلاب والطالبات في مختلف أنحاء العالم والتي أظهرت نتائجها الأولية أن معظم الطلاب والطالبات الذين أجريت عليهم تلك الدراسات قد تأثرت صحتهم النفسية وسلامتهم العقلية بشكل سلبي وذلك بنسب متفاوتة حسب الحالة الاجتماعية والبيئة الثقافية والموقع الجغرافي والظروف المحيطة.
وقد نشر المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها مؤخرا تقريرا مقلقا يشير إلى ارتفاع بنسبة 25% في معدلات تنويم الأطفال في المستشفيات لأسباب متعلقة بالصحة النفسية لدى الأطفال، وأن أكثر من 50% من المراهقين الذين شملتهم الدراسة قد ساورتهم أفكار انتحارية أثناء فترة الحجر المنزلي.
ويستفاد من نتائج تلك الدراسات أن العناية بالصحة النفسية والسلامة العقلية للطلاب والطالبات لا تقل أهمية عن أهمية العناية بالصحة الجسدية، بل قد تكون العناية بالصحة النفسية أهم وأولى من العناية بالصحة البدنية في حال كان تدهور الصحة النفسية سببا في تدهور الصحة البدنية أو شكل تهديدا وخطرا على حياة الأفراد وسلامتهم.
عندما نتحدث عن السلامة النفسية والصحة العقلية للطلاب في فترة ما بعد الحجر المنزلي والبعد عن مقاعد الدراسة، فإننا نتحدث عن الأثر النفسي الذي تركته الجائحة عليهم -صغارا كانوا أو كبارا- بسبب عبء الضغوطات المتعددة والمستمرة عليهم بما في ذلك الخوف من المرض والصدمات النفسية المتعلقة بفقد الأحبة أو الخوف منه وإصابة الطلاب أنفسهم أو من حولهم بالمرض والحزن والعزلة والاكتئاب.
لقد مرت المجتمعات في جميع دول العالم بكل هذه التجارب المؤلمة وبدرجات متفاوتة، ومجتمعنا السعودي ليس استثناء فهو جزء من هذا المجتمع الدولي وتأثير العزلة عليه قد يكون أشد وأقسى إذا ما أخذنا بالحسبان طبيعة مجتمعنا السعودي التي يميزها الترابط الأسري القوي وما يقتضيه وجود هذا الرابط من تقارب اجتماعي متكرر في حفلات الزفاف والأعياد والمناسبات الدينية والاجتماعات الأسرية والتي تأثرت جميعها بسبب جائحة كورونا.
فإذا كانت المجتمعات المتفككة قد تأثرت بإجراءات التباعد الاجتماعي، فكيف كان أثره على المجتمعات التي يعتبر التقارب فيها سمة من سماتها وعنصرا من عناصرها؟
تبعات جائحة كورونا وأثرها على الصحة النفسية والسلامة العقلية للطلاب والطالبات:
إن دور مؤسسات التعليم بشتى مجالاتها وفئاتها ومراحلها لا ينحصر بدعم النمو المعرفي للطلاب والطالبات فحسب، وإنما توفر هذه المؤسسات بيئات صحية وآمنة للنمو الثقافي والاجتماعي والنفسي والحركي للطلاب؛ فتعليق حضور الطلاب في مدارسهم وجامعاتهم خلال الثمانية عشر شهرا الماضية حرمهم من تكوين علاقات اجتماعية حقيقية، وضيع عليهم فرصة المرور بتجارب حياتية ثرية يحتاجونها في رحلتهم الحياتية للوصول إلى النضج العقلي والعاطفي الناتج عن تراكم الخبرات فيها.
ومع صدور بروتوكولات العودة لمقاعد الدراسة مؤخرا والتي تشدد على أهمية الالتزام بالتباعد الاجتماعي ووضع الحواجز بين الطلاب وإلغاء الاصطفاف الصباحي وتعليق الفعاليات الرياضية واستبدال الأنشطة الصفية وغير الصفية التي لا تحقق التباعد الجسدي وإيقاف أنشطة بيع الأطعمة في المقاصف واقتصار تناول الطلاب لوجباتهم في الحجرة الدراسية، يبدو جليا أن الحياة الدراسية للطلاب لن تعد كما كانت بعد كورونا وأن فترة «الوضع الطبيعي الجديد» لا تشبه سابقتها قبل الجائحة؛ فهل سيتقبل الطلاب هذا الوضع الجديد ويتأقلمون معه بعد هذا الانقطاع؟ وهل ستروي هذه الإجراءات والبروتوكولات ظمأهم للعودة للحياة المدرسية التي اشتاقوا إليها؟ وهل سيتمكن الطلاب من ممارسة حقهم في أن يعيشوا التجربة التعليمية كاملة بكل أركانها من تعلم وبحث وتواصل وتعارف وتفاعل وحركة ونشاط؟ وهل توقيت تطبيق نظام الفصول الثلاثة، ونظام المقررات الجديد بعد كل هذا الانقطاع مناسب الآن؟ وهل سيكون لهذه التغييرات الجذرية الكبيرة والمفاجأة أثر سلبي على صحة الطلاب النفسية وسلامتهم العقلية أم ستضيف ضغوطا جديدة إلى ضغوطهم النفسية والمتراكمة عليهم بسبب جائحة كورونا؟
ماذا يحتاج طلابنا لعودة آمنة لمقاعد الدراسة؟
يظهر جليا لكل من يراقب تطورات جائحة كورونا ويتابع تحديثات وتصريحات منظمة الصحة العالمية أن نهاية هذا الوباء لن تكون قريبة خاصة مع ظهور نسخ متحورة مستجدة من هذا الفيروس، ولذلك فإن الانتقال إلى حقبة الحياة ما بعد كورونا أو «الوضع الطبيعي الجديد» تتطلب تخطيطا استراتيجيا ومدروسا بعناية فائقة ينقل المجتمع بشكل عام ومجتمع الطلاب بشكل خاص لهذه الحقبة بشكل متدرج وسلس وآمن يضمن سلامتهم النفسية وصحتهم العقلية تماما كما يضمن صحتهم البدنية.
فما لا نريده هو أن تطول فترة الانقطاع عن مقاعد الدراسة أو أن تتسبب هذه التغييرات المتسارعة في حصول صدع في علاقة الطلاب بمؤسسات التعليم ونشوء ردة فعل عكسية لديهم تعيق عمليات التعليم والتعلم وتحول بين تحقيق الأهداف المرجوة من أنظمة التعليم للمجتمع.
إن لدى المجتمع السعودي ثقة لا متناهية في قادة التعليم بالمملكة وفي حرصهم على تطوير منظومة التعليم فيها، ويتطلعون إلى استئناس الوزارة بآراء الطلاب وأولياء الأمور لا سيما فيما يتعلق بالقرارات المصيرية وما يرافقها من تأثيرات محتملة على مستقبل الطلاب وتحصيلهم وسلامتهم النفسية والبدنية والعقلية. وبمتابعة صوت المجتمع في وسائل التواصل الاجتماعي نجد أن هناك ميلا واضحا تجاه الاحتفاظ بأحد أهم «مكتسبات جائحة كورونا» في مجال التعليم وذلك بالاستمرار باستخدام نمط التعلم الالكتروني وتطوير منصات التعلم بحيث تختزل أيام الدراسة الحضورية في مؤسسات التعليم المختلفة في الفصل الدراسي الأول والثاني من خمسة أيام في الأسبوع إلى أربعة أيام حضورية ويوم واحد عن بعد يقوم الطلاب خلاله بعملية التعلم عن طريق الفصول المعكوسة/المقلوبة وبالتحضير لدروس أيام الحضور المدرسي وحل واجبات وتمارين المراجعة والتأكد من إتقان نواتج التعلم واستقبال التغذية الراجعة من معلميهم تمهيدا لعودة الدراسة حضوريا بشكل كامل في الفصل الدراسي الثالث. ولعل من الأنسب تجربة هذا التدرج في مدارس مختارة لتقييم التجربة قبل تعميمها على كامل المنظومة التعليمية.
تجدر الإشارة إلى أهمية توجيه أولياء الأمور والمعلمين وأعضاء هيئة التدريس والقائمين على إدارة المؤسسات التعليمية في المملكة للحرص على استيعاب تلك الصعوبات النفسية والتجهيز للتعامل معها بانفتاح وتقبل وأن نحرص على خلق بيئة آمنة نفسيا ومعنويا تشجع أبنائنا الطلاب والطالبات على التعبير عن مخاوفهم وقلقهم، وعلى المعلمين وأعضاء هيئة التدريس أن يكونوا على وعي كامل بأثر هذه التحديات على الطلاب وعلى تركيزهم وتحصيلهم الدراسي وفتح قنوات التواصل الفعال مع أولياء الأمور؛ فالوقت الآن أولى من أي وقت مضى لإشراك الوالدين في مسيرة أبنائهم التعليمية خصوصا بعد الدعم المباشر والهائل الذي حصل عليه كثير من الطلاب من أولياء أمورهم خلال الثمانية عشر شهرا الماضية عندما كانت الدراسة عن بعد.
ومن المتوقع ألا يحصل الطلاب على نفس القدر من «التدخل» والدعم من قبل الوالدين في هذه المرحلة مما سيزيد من العبء التعليمي على عواتق المعلمين الذين سيجدون أنفسهم وحيدين في الميدان مع طلاب تكونت لدى بعضهم عادات دراسية غير صحية من جراء تدخل الأهل بشكل سلبي في عملية تعلم أبنائهم عندما كانت الدراسة عن بعد، مما سيؤثر حتما بشكل سلبي على تحصيل هؤلاء الطلاب واستيعابهم وصحتهم النفسية والعقلية.
أيضا يتطلع الطلاب وأولياء الأمور إلى إقامة برامج تحضيرية لجميع مراحل التعليم في الأسبوع الأول من الدراسة تشبه في مبدأها مبدأ الأسبوع التمهيدي لطلاب الصف الأول الابتدائي بحيث تتناسب البرامج المعدة مع المراحل العمرية المختلفة للطلاب سعيا في إزالة الحواجز التي تكونت جراء الابتعاد عن مقاعد الدراسة وضمان بداية قوية وسلسة تعين الطلاب على الرجوع التدريجي السليم والآمن لمقاعد الدراسة دون إضافة ضغوط أخرى إلى ضغوط الجائحة المتراكمة عليهم، وتساعد المعلمين على القيام بدورهم الكبير في صناعة جيل المستقبل بعيدا عن ما من شأنه التأثير على تحصيل الطلاب واستيعابهم وشغف التعلم لديهم.
@Alharbi_Wael
وللتخفيف من وطأة هذه الجائحة على الطلاب والمعلمين وضمان سلامتهم وسلامة عمليات التعليم والتعلم في مختلف مؤسسات التعليم العام والتعليم العالي قامت وزارة التعليم بجهود جبارة تكللت بالنجاح بفضل الله ثم بفضل وعي وتعاون أولياء أمور الطلاب، وبفضل أبطال الوطن من قادة التعليم والمعلمين والمعلمات وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، والذين عملوا بكل جهد وتفان لتقليل الفاقد التعليمي ودفع عجلة التعليم في الوقت الذي توقفت فيه عجلات الحياة في كثير من دول العالم الأخرى.
تبعات جائحة كورونا وأثرها على الصحة النفسية والسلامة العقلية للطلاب والطالبات:
وبالرغم من النجاح الكبير الذي حققته جميع أجهزة الدولة للحد من مخاطر وأضرار وتبعات جائحة كورونا على المواطنين والمقيمين والزائرين في المملكة صحيا ونفسيا واقتصاديا واجتماعيا، إلا أن حجم الجائحة وخطورتها وقوتها وشراستها ووسع انتشارها والتغيرات التي طرأت على حياتنا بسببها أكبر بكثير من قدرة الكثير منا على تحمل واستيعاب هذه التغيرات والتعايش معها أو مع ما يسمى بـ«الوضع الطبيعي الجديد».
فقد قامت منظمة اليونسكو وعدد من المنظمات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية بعمل عدة دراسات متعددة لدراسة مدى تأثير جائحة كورونا على الصحة النفسية والسلامة العقلية لدى الطلاب والطالبات في مختلف أنحاء العالم والتي أظهرت نتائجها الأولية أن معظم الطلاب والطالبات الذين أجريت عليهم تلك الدراسات قد تأثرت صحتهم النفسية وسلامتهم العقلية بشكل سلبي وذلك بنسب متفاوتة حسب الحالة الاجتماعية والبيئة الثقافية والموقع الجغرافي والظروف المحيطة.
وقد نشر المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها مؤخرا تقريرا مقلقا يشير إلى ارتفاع بنسبة 25% في معدلات تنويم الأطفال في المستشفيات لأسباب متعلقة بالصحة النفسية لدى الأطفال، وأن أكثر من 50% من المراهقين الذين شملتهم الدراسة قد ساورتهم أفكار انتحارية أثناء فترة الحجر المنزلي.
ويستفاد من نتائج تلك الدراسات أن العناية بالصحة النفسية والسلامة العقلية للطلاب والطالبات لا تقل أهمية عن أهمية العناية بالصحة الجسدية، بل قد تكون العناية بالصحة النفسية أهم وأولى من العناية بالصحة البدنية في حال كان تدهور الصحة النفسية سببا في تدهور الصحة البدنية أو شكل تهديدا وخطرا على حياة الأفراد وسلامتهم.
عندما نتحدث عن السلامة النفسية والصحة العقلية للطلاب في فترة ما بعد الحجر المنزلي والبعد عن مقاعد الدراسة، فإننا نتحدث عن الأثر النفسي الذي تركته الجائحة عليهم -صغارا كانوا أو كبارا- بسبب عبء الضغوطات المتعددة والمستمرة عليهم بما في ذلك الخوف من المرض والصدمات النفسية المتعلقة بفقد الأحبة أو الخوف منه وإصابة الطلاب أنفسهم أو من حولهم بالمرض والحزن والعزلة والاكتئاب.
لقد مرت المجتمعات في جميع دول العالم بكل هذه التجارب المؤلمة وبدرجات متفاوتة، ومجتمعنا السعودي ليس استثناء فهو جزء من هذا المجتمع الدولي وتأثير العزلة عليه قد يكون أشد وأقسى إذا ما أخذنا بالحسبان طبيعة مجتمعنا السعودي التي يميزها الترابط الأسري القوي وما يقتضيه وجود هذا الرابط من تقارب اجتماعي متكرر في حفلات الزفاف والأعياد والمناسبات الدينية والاجتماعات الأسرية والتي تأثرت جميعها بسبب جائحة كورونا.
فإذا كانت المجتمعات المتفككة قد تأثرت بإجراءات التباعد الاجتماعي، فكيف كان أثره على المجتمعات التي يعتبر التقارب فيها سمة من سماتها وعنصرا من عناصرها؟
تبعات جائحة كورونا وأثرها على الصحة النفسية والسلامة العقلية للطلاب والطالبات:
إن دور مؤسسات التعليم بشتى مجالاتها وفئاتها ومراحلها لا ينحصر بدعم النمو المعرفي للطلاب والطالبات فحسب، وإنما توفر هذه المؤسسات بيئات صحية وآمنة للنمو الثقافي والاجتماعي والنفسي والحركي للطلاب؛ فتعليق حضور الطلاب في مدارسهم وجامعاتهم خلال الثمانية عشر شهرا الماضية حرمهم من تكوين علاقات اجتماعية حقيقية، وضيع عليهم فرصة المرور بتجارب حياتية ثرية يحتاجونها في رحلتهم الحياتية للوصول إلى النضج العقلي والعاطفي الناتج عن تراكم الخبرات فيها.
ومع صدور بروتوكولات العودة لمقاعد الدراسة مؤخرا والتي تشدد على أهمية الالتزام بالتباعد الاجتماعي ووضع الحواجز بين الطلاب وإلغاء الاصطفاف الصباحي وتعليق الفعاليات الرياضية واستبدال الأنشطة الصفية وغير الصفية التي لا تحقق التباعد الجسدي وإيقاف أنشطة بيع الأطعمة في المقاصف واقتصار تناول الطلاب لوجباتهم في الحجرة الدراسية، يبدو جليا أن الحياة الدراسية للطلاب لن تعد كما كانت بعد كورونا وأن فترة «الوضع الطبيعي الجديد» لا تشبه سابقتها قبل الجائحة؛ فهل سيتقبل الطلاب هذا الوضع الجديد ويتأقلمون معه بعد هذا الانقطاع؟ وهل ستروي هذه الإجراءات والبروتوكولات ظمأهم للعودة للحياة المدرسية التي اشتاقوا إليها؟ وهل سيتمكن الطلاب من ممارسة حقهم في أن يعيشوا التجربة التعليمية كاملة بكل أركانها من تعلم وبحث وتواصل وتعارف وتفاعل وحركة ونشاط؟ وهل توقيت تطبيق نظام الفصول الثلاثة، ونظام المقررات الجديد بعد كل هذا الانقطاع مناسب الآن؟ وهل سيكون لهذه التغييرات الجذرية الكبيرة والمفاجأة أثر سلبي على صحة الطلاب النفسية وسلامتهم العقلية أم ستضيف ضغوطا جديدة إلى ضغوطهم النفسية والمتراكمة عليهم بسبب جائحة كورونا؟
ماذا يحتاج طلابنا لعودة آمنة لمقاعد الدراسة؟
يظهر جليا لكل من يراقب تطورات جائحة كورونا ويتابع تحديثات وتصريحات منظمة الصحة العالمية أن نهاية هذا الوباء لن تكون قريبة خاصة مع ظهور نسخ متحورة مستجدة من هذا الفيروس، ولذلك فإن الانتقال إلى حقبة الحياة ما بعد كورونا أو «الوضع الطبيعي الجديد» تتطلب تخطيطا استراتيجيا ومدروسا بعناية فائقة ينقل المجتمع بشكل عام ومجتمع الطلاب بشكل خاص لهذه الحقبة بشكل متدرج وسلس وآمن يضمن سلامتهم النفسية وصحتهم العقلية تماما كما يضمن صحتهم البدنية.
فما لا نريده هو أن تطول فترة الانقطاع عن مقاعد الدراسة أو أن تتسبب هذه التغييرات المتسارعة في حصول صدع في علاقة الطلاب بمؤسسات التعليم ونشوء ردة فعل عكسية لديهم تعيق عمليات التعليم والتعلم وتحول بين تحقيق الأهداف المرجوة من أنظمة التعليم للمجتمع.
إن لدى المجتمع السعودي ثقة لا متناهية في قادة التعليم بالمملكة وفي حرصهم على تطوير منظومة التعليم فيها، ويتطلعون إلى استئناس الوزارة بآراء الطلاب وأولياء الأمور لا سيما فيما يتعلق بالقرارات المصيرية وما يرافقها من تأثيرات محتملة على مستقبل الطلاب وتحصيلهم وسلامتهم النفسية والبدنية والعقلية. وبمتابعة صوت المجتمع في وسائل التواصل الاجتماعي نجد أن هناك ميلا واضحا تجاه الاحتفاظ بأحد أهم «مكتسبات جائحة كورونا» في مجال التعليم وذلك بالاستمرار باستخدام نمط التعلم الالكتروني وتطوير منصات التعلم بحيث تختزل أيام الدراسة الحضورية في مؤسسات التعليم المختلفة في الفصل الدراسي الأول والثاني من خمسة أيام في الأسبوع إلى أربعة أيام حضورية ويوم واحد عن بعد يقوم الطلاب خلاله بعملية التعلم عن طريق الفصول المعكوسة/المقلوبة وبالتحضير لدروس أيام الحضور المدرسي وحل واجبات وتمارين المراجعة والتأكد من إتقان نواتج التعلم واستقبال التغذية الراجعة من معلميهم تمهيدا لعودة الدراسة حضوريا بشكل كامل في الفصل الدراسي الثالث. ولعل من الأنسب تجربة هذا التدرج في مدارس مختارة لتقييم التجربة قبل تعميمها على كامل المنظومة التعليمية.
تجدر الإشارة إلى أهمية توجيه أولياء الأمور والمعلمين وأعضاء هيئة التدريس والقائمين على إدارة المؤسسات التعليمية في المملكة للحرص على استيعاب تلك الصعوبات النفسية والتجهيز للتعامل معها بانفتاح وتقبل وأن نحرص على خلق بيئة آمنة نفسيا ومعنويا تشجع أبنائنا الطلاب والطالبات على التعبير عن مخاوفهم وقلقهم، وعلى المعلمين وأعضاء هيئة التدريس أن يكونوا على وعي كامل بأثر هذه التحديات على الطلاب وعلى تركيزهم وتحصيلهم الدراسي وفتح قنوات التواصل الفعال مع أولياء الأمور؛ فالوقت الآن أولى من أي وقت مضى لإشراك الوالدين في مسيرة أبنائهم التعليمية خصوصا بعد الدعم المباشر والهائل الذي حصل عليه كثير من الطلاب من أولياء أمورهم خلال الثمانية عشر شهرا الماضية عندما كانت الدراسة عن بعد.
ومن المتوقع ألا يحصل الطلاب على نفس القدر من «التدخل» والدعم من قبل الوالدين في هذه المرحلة مما سيزيد من العبء التعليمي على عواتق المعلمين الذين سيجدون أنفسهم وحيدين في الميدان مع طلاب تكونت لدى بعضهم عادات دراسية غير صحية من جراء تدخل الأهل بشكل سلبي في عملية تعلم أبنائهم عندما كانت الدراسة عن بعد، مما سيؤثر حتما بشكل سلبي على تحصيل هؤلاء الطلاب واستيعابهم وصحتهم النفسية والعقلية.
أيضا يتطلع الطلاب وأولياء الأمور إلى إقامة برامج تحضيرية لجميع مراحل التعليم في الأسبوع الأول من الدراسة تشبه في مبدأها مبدأ الأسبوع التمهيدي لطلاب الصف الأول الابتدائي بحيث تتناسب البرامج المعدة مع المراحل العمرية المختلفة للطلاب سعيا في إزالة الحواجز التي تكونت جراء الابتعاد عن مقاعد الدراسة وضمان بداية قوية وسلسة تعين الطلاب على الرجوع التدريجي السليم والآمن لمقاعد الدراسة دون إضافة ضغوط أخرى إلى ضغوط الجائحة المتراكمة عليهم، وتساعد المعلمين على القيام بدورهم الكبير في صناعة جيل المستقبل بعيدا عن ما من شأنه التأثير على تحصيل الطلاب واستيعابهم وشغف التعلم لديهم.
@Alharbi_Wael