زهير ياسين آل طه

الثورات الصناعية الذكية وجودة الحياة

الأربعاء - 25 أغسطس 2021

Wed - 25 Aug 2021

الحفاظ على سلامة وصحة وأمن وأمان المجتمع وكل فرد فيه أمر مفروغ منه ضمن ما تمليه وتفرضه أخلاقيات كل الأديان السماوية وما تمارسه بصدق وبشفافية المجتمعات المتحضرة التي يصدق عليها مسمى المجتمعات الإنسانية، التي تحافظ على الإنسان وحقوقه وتضمن له العيش الرغيد بكل معانيه الإنسانية الصادقة، ضمن سلسلة من متطلبات وتشريعات من يؤمن إيمانا حقيقيا بمفهوم جودة الحياة وحمايتها وموازنتها واستقرارها واستدامتها مهما كانت الظروف المتغيرة القاسية التي تواجه العالم من تحديات اقتصادية ومعيشية وبيئية وصحية وسياسية مقلقة.

واستمرار جريان الدم في شرايين المجتمع مطلب ذو سقف عال وكبير لإنجاحه ليبقى حيا متفاعلا منتجا ومبدعا ومبتكرا بأفراده، لا تشوبه المنغصات ولا الترهلات من ضعف تماسكه نتيجة أي خلل عابر أو هامشي قد يحدث فيه، ولعل الالتزام بقدر كبير من أهداف التنمية المستدامة SDGs أو بعضها المنبثقة عن الأمم المتحدة وما تعنيه مضامين 17 هدفا، ووضع الخطط اللازمة والبدائل الطارئة لتحقيق تلك الأهداف الإنسانية؛ سيدفع صناع «القرار الحاد» والدقيق من قادة المستقبل الأذكياء بالتفكير بالحلول الذكية المناسبة والصادقة التي تستحثها مخرجات الثورة الصناعية الرابعة وما هو متوقع في الثورة الخامسة من بيئات ومدن ذكية تدفع باستدامة جودة الحياة.

والبيئة الذكية يفترض أن توفر قدرا كبيرا من الحرية الإبداعية ومساحة مهيأة من التحفيز والتنافس على الإبداع وتنمية الذكاء للابتكار، وتدفع بالثقة في التنبؤ واستشراف ما تحتاجه المجتمعات في المستقبل، من خلال ربط أهداف التنمية بالذكاء الاصطناعي للعمل والتشغيل وللتقييم والقياس، لأجل التسريع والتطوير قبل انقضاء التاريخ المحدد، وهو 2030 والذي لم يتبق منه إلا 9 سنوات، وهذه البيئة الذكية تنطبق على كل الاستراتيجيات المحلية والعالمية من تطوير مستمر يشمل تحولا ورؤية واعدة تنتهجها المملكة.

والاعتماد على كافة مكونات المجتمع؛ هو هدف تكاملي عظيم لا يمكن الاستغناء عنه بفرز وإهمال الرواد من الأجيال السابقة والحالية ذوي الخبرات الإبداعية وإبعادهم عن الأجيال النظائر الأضداد قليلي الخبرة بالمقارن الزمني التراكمي والتخصصي، خاصة حينما يكون العمل استشرافيا للمستقبل وتخيليا مرتبطا بمفهوم الذكاء الاستراتيجي الذي تنحو إليه المجتمعات الفاعلة، وتحديدا «بالخيال البعيد» كما يسميه البعض في الدراسات العلمية Distal Imagination كما أشارت إليه «ميغان ماير» من كلية دارتموث بأمريكا في بحثها مع زملائها المنشور عام 2019 بعنوان «ترتبط الخبرة الإبداعية بتجاوز ما هو موجود الآن»، فلماذا قد يكون الخبراء المبدعون أفضل في تخيل المستقبل؟

وتحلل «ميغان» الأمر في دراستها أنه بالنسبة لمعظم الناس، من الصعب تجاوز تفكيرهم وتخيلهم ما هو موجود الآن بين أيديهم وما حولهم، ولكن الخبراء المبدعين قادرون على تخيل التجارب البعيدة بشكل أكثر وضوحا من الآخرين الأقل خبرة، نظير اعتمادهم على آلية عصبية في الدماغ بشكل مختلف تسمح لهم بالتفوق في المحاكاة البعيدة، فالعديد من المشاكل التي تواجه مجتمعاتنا اليوم تحتاج لاهتمام كبير، وهي في الأساس متخمة بتحديات تتطلب تفكيرا بعيدا سواء كان ذلك لتحديد حلول لمعالجة المشاكل البيئية أو العمل مع الآخرين الذين قد تكون لديهم آراء سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة.

مؤملة «ميغان» في المستقبل من التعمق في الأبحاث، أن يساعد تحديد الآليات العصبية الأساسية بدقة والمرتبطة بهذا النوع من الخيال البعيد على فهم أفضل لحقيقة المكونات الأساسية التي قد تكون ضرورية لحل الكثير من المشكلات المجتمعية المعقدة.

فمن الواضح من خلال التاريخ العملي في مسيرة الحياة منذ بدء الخليقة، أن الأجيال تتبع وتستفيد من بعضها في اتخاذ «قرارات حادة» ودقيقة ناجحة بغض النظر عن معدل الذكاء، وتعنون علميا Decision Acuity كما يشرحها الباحث «مايكل موتوسيس» من جامعة كلية لندن وزملاؤه في بحثه عام 2021 بعنوان « القدرة على اتخاذ القرار وعلم النفس المرضي وتواصل الدماغ «، وتلك القرارات الحادة لا تنبثق عبثا، وهي مهمة جدا في مسيرة نمو الفكر في الشباب والمراهقين، ولها ارتباطات اجتماعية وتربوية أسرية وتعليمية ونفسية ذات سقف منخفض من الحساسية والخوف ومن الرغبة في الانتقام مثلا، وتحكمها أيضا جودة الحياة في بناء الثقة مع ما تعطيه البيئات التكاملية من خبرة وأمان ودعم روحي ونفسي يدفعه ويغرسه الرواد المبدعون في القادة الأذكياء.

والمنصات الذكية للثورات الصناعية الذكية التي تؤسسها التنظيمات تحتاج لبنك من المعلومات التي يملكها الرواد المبدعون لتخزينها وعدم التفريط فيها وتلاشيها مع الزمن، لأن تعلم الآلة والتعلم العميق والأعمق في الثورة الصناعية الخامسة القادمة تعتمد على إبداع الإنسان كمرحلة أولى وتكمل الآلة المراحل اللاحقة بمعية ذكاء الإنسان للرقابة والتطوير، فالمنصات الفارغة لا تساعد الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته لاستشرافات مستقبلية قوية، ولا تساعد تباعا على اتخاذ «القرار الحاد» والدقيق الناجح الذي يخدم بطبيعته جودة الحياة للمجتمعات المتحضرة.

فالكمال بين الشباب والرواد في العملية التنموية والتحول والرؤية من خلال الذكاء الاصطناعي وروابطه المتعددة؛ هو نموذج هجين ناضج يحقق أعلى مراتب النجاح للأهداف الاستراتيجية بشكل عام ويخفف من الهدر من تكرار التجارب غير الناجحة، ويعطي الأمان في وضوح التحليلات وربطها بذكاء بأسباب السلبيات والتعثر في الإنجازات لتجاوزها بيسر بمساعدة عقول الخبرات المبدعة، ويكشف بسهولة الفساد بأنواعه والأخطاء الملتوية والتستر والمراوغة التي قد تخفيها المكاتب الاستشارية العالمية، ويدعم بالدفاع قانونيا وبذكاء إبداعي ضد التهم التي قد ترفع وتوجه ضد التنظيمات الوطنية.

zuhairaltaha @