ليست مجرد وزارة تعليم!
الأحد - 22 أغسطس 2021
Sun - 22 Aug 2021
إذا كنا نؤمن أن العمل الذي يتم في المحاضن المعرفية عمل قوامه الأساس معلم وطالب يتشاركان ويتكاملان ويتبادلان الأدوار لتحقيق الهدف من حضورهما للمدرسة والكلية والجامعة فإنه يلزم أن نكفر مباشرة بما يسمى (التعليم) ونستبدل تلك اللفظة بـ (التعلم) !
التعليم teaching/instruction لفظة تعني الأحادية في إكساب المعرفة يقوم بموجبها المعلم بتعليم الطالب معرفة ما، ويكون دور الطالب وفقا لهذه اللفظة دور المستمع، المصغي، المنتبه، الملاحظ، المركز لا أقل ولا أكثر، وذلك ليتحقق الهدف المرجو، وهو اكتساب المعرفة وفق خط أحادي يرسمه المعلم.
ووفقا لهذا المصطلح (التعليم) سواء عن قرب أو عن بعد فإن نوعا من السلطوية (المبطنة) embedded authority لا يمكن إخفاؤها تكون للمعلم فيه الغلبة على المشهد المعرفي في حجرة الدراسة وقاعة المحاضرة والورش والمعمل، ذلك أنه مصدر المعلومة الأوحد، والمهيمن على مجريات الدرس، والموجه لمساقاته ومساراته، بينما يكون دور المتعلم حسن الإصغاء، وفهم المشروح وعدم السؤال عن الجزئيات الشائكة والمتداخلة والمعقدة! كل هذا يحدث إذا آمنا أن ما يدور في القاعات (تعليم)! اللافت للنظر ونحن في هذه الجزئية أننا نطلق مصطلح (التعليم عن بعد) وهي المعروفة بـ distance/remote learning أي (التعلم عن بعد)!
وبالمقابل فإن وجود الطالب في الحجرة الدراسية كجزء من منظومة إدارة المعرفة يحول كامل المشهد إلى (تعلم) بدلا من (تعليم)؛ فالمتلقي هنا ليس جمادا ولا صنما ولا آلة خرساء، بل هو شريك حقيقي genuine partner في العملية المعرفية، وذلك بمداخلاته الشيقة، وأسئلته الجميلة، وتأملاته العميقة بل ومقاطعاته المبررة وتحليلاته واستنتاجاته المتبصرة.
في مشهد (التعلم) نحن نؤسس لعمل تشاركي ومنفعة متبادلة بين الطالب وأستاذه وفيه أيضا نجسد للمعنى الحقيقي للعملية المعرفية التبادلية reciprocal knowledge التي تقوم على أساس أن كل مكون يوجد في الحقل المعرفي يعتبر مصدرا لإثرائه من خلال ردة فعله تجاه ما يدور في تلك اللحظات المعرفية.
وحينما نتأمل الفارق المهول بين مصطلحي (التعليم) و(التعلم) وكيف أن الأفضلية يجب أن تتجه مباشرة للمصطلح الثاني في المدارس والجامعات لما يحويه من قيم عليا فإننا نجد أنفسنا أمام استحقاقات مهمة جدا ومبررة على صعيد تحرير المصطلح وعلى صعيد الممارسات لكي يستقيم القول مع الفعل، ونصل لنموذج معرفي أمثل يوازي طموحاتنا المتقدمة.
أول هذه الاستحقاقات بنظري أن يعاد النظر في مسمى (وزارة التعليم) ويستبدل بـ(وزارة التعلم)، وذلك لتحقيق المنافع آنفة الذكر، وفي طليعتها إيجاد حقل معرفي تشاركي تبادلي مزدوج الاتجاه ثنائي الأقطاب في مدارسنا وجامعاتنا.
ولعل هذا الاستحقاق يدخلنا إلى عالم مهم جدا آمنت به وزارة التعليم مشكورة وشجعت عليه في توجيهاتها الأخيرة، وهو (التفكير الناقد) critical thinking بيد أنها تعاملت مع هذا المصطلح المهيب من منطلق (تعليمي) فجاء التوجيه بـ(تدريسه) لا (تعلمه وغرسه وتشجيع ممارساته) في مجتمعات التعلم، وهو الأمر الذي يصطدم -بتقديري- مع مبادئ التفكير الناقد المبني على الأسئلة المنطقية وتحدي الأفكار ومقارعة الحجة بأختها ودحض المثبت بنقيضه حين يتوفر بدلا من تقديمه كنظريات ومفاهيم بطريقة تدريسية!
مجمل القول إن تحرير المصطلح، ودقة انتقائه لا يعد ترفا لغويا، بل هو أبعد من ذلك بكثير، فالمصطلح الذي نختاره يمثل المظلة العامة التي تنطلق من تحتها الإجراءات والقرارات والعمليات التطويرية والجودة والمراجعة، وكذلك سلاسل المتابعة والتقويم متبوعا بالتقييم ومعاودة التجربة وفق النتائج المتحصلة.
آمل من (وزارة التعليم) أن تتحول لـ(وزارة التعلم) لثلاثة أسباب: أولها أن ما يتم فعليا في المدارس والجامعات عملية (تعلم) وليس (تعليم)، فنحن وإن كنا أساتذة اليوم فقد كنا طلابا بالأمس ونعي تماما كم دار بيننا وبين معلمينا من النقاشات والتحليلات والتفكير العميق والعمل التشاركي والتي تمثل بمجملها روح التعلم لا التعليم، وثانيهما: أن الوزارة اليوم تنتهج عملا معرفيا عصريا وتتعاقب قراراتها كثيرا نحو التعلم والشراكة الحقيقية بين الطالب وأستاذه، وهي تراجع المناهج على هذا الأساس وتحدد كثيرا من أنماط السلوكيات المعرفية وفقا لهذا المبدأ وكل ذلك يعتبر عملا تعلميا لا تعليميا، والأمر الأخير أن مراجعة المسميات على امتداد تاريخ الوزارة كان موضوعا مطروحا للنقاش بغرض التطوير فقد كانت فيما يحضرني وزارة المعارف ثم أصبحت وزارة التربية والتعليم ثم تحولت إلى وزارة التعليم، وغاية طمعي أن يأتي اليوم الذي تسمى فيه وزارة التعلم فتكون بذلك قد صنعت الخط الجميل بين الممارسات ومسمياتها المناسبة، وحينها سيزول كثير من اللبس وتتضح خارطة الطريق والسلام.
dralaaraj@
التعليم teaching/instruction لفظة تعني الأحادية في إكساب المعرفة يقوم بموجبها المعلم بتعليم الطالب معرفة ما، ويكون دور الطالب وفقا لهذه اللفظة دور المستمع، المصغي، المنتبه، الملاحظ، المركز لا أقل ولا أكثر، وذلك ليتحقق الهدف المرجو، وهو اكتساب المعرفة وفق خط أحادي يرسمه المعلم.
ووفقا لهذا المصطلح (التعليم) سواء عن قرب أو عن بعد فإن نوعا من السلطوية (المبطنة) embedded authority لا يمكن إخفاؤها تكون للمعلم فيه الغلبة على المشهد المعرفي في حجرة الدراسة وقاعة المحاضرة والورش والمعمل، ذلك أنه مصدر المعلومة الأوحد، والمهيمن على مجريات الدرس، والموجه لمساقاته ومساراته، بينما يكون دور المتعلم حسن الإصغاء، وفهم المشروح وعدم السؤال عن الجزئيات الشائكة والمتداخلة والمعقدة! كل هذا يحدث إذا آمنا أن ما يدور في القاعات (تعليم)! اللافت للنظر ونحن في هذه الجزئية أننا نطلق مصطلح (التعليم عن بعد) وهي المعروفة بـ distance/remote learning أي (التعلم عن بعد)!
وبالمقابل فإن وجود الطالب في الحجرة الدراسية كجزء من منظومة إدارة المعرفة يحول كامل المشهد إلى (تعلم) بدلا من (تعليم)؛ فالمتلقي هنا ليس جمادا ولا صنما ولا آلة خرساء، بل هو شريك حقيقي genuine partner في العملية المعرفية، وذلك بمداخلاته الشيقة، وأسئلته الجميلة، وتأملاته العميقة بل ومقاطعاته المبررة وتحليلاته واستنتاجاته المتبصرة.
في مشهد (التعلم) نحن نؤسس لعمل تشاركي ومنفعة متبادلة بين الطالب وأستاذه وفيه أيضا نجسد للمعنى الحقيقي للعملية المعرفية التبادلية reciprocal knowledge التي تقوم على أساس أن كل مكون يوجد في الحقل المعرفي يعتبر مصدرا لإثرائه من خلال ردة فعله تجاه ما يدور في تلك اللحظات المعرفية.
وحينما نتأمل الفارق المهول بين مصطلحي (التعليم) و(التعلم) وكيف أن الأفضلية يجب أن تتجه مباشرة للمصطلح الثاني في المدارس والجامعات لما يحويه من قيم عليا فإننا نجد أنفسنا أمام استحقاقات مهمة جدا ومبررة على صعيد تحرير المصطلح وعلى صعيد الممارسات لكي يستقيم القول مع الفعل، ونصل لنموذج معرفي أمثل يوازي طموحاتنا المتقدمة.
أول هذه الاستحقاقات بنظري أن يعاد النظر في مسمى (وزارة التعليم) ويستبدل بـ(وزارة التعلم)، وذلك لتحقيق المنافع آنفة الذكر، وفي طليعتها إيجاد حقل معرفي تشاركي تبادلي مزدوج الاتجاه ثنائي الأقطاب في مدارسنا وجامعاتنا.
ولعل هذا الاستحقاق يدخلنا إلى عالم مهم جدا آمنت به وزارة التعليم مشكورة وشجعت عليه في توجيهاتها الأخيرة، وهو (التفكير الناقد) critical thinking بيد أنها تعاملت مع هذا المصطلح المهيب من منطلق (تعليمي) فجاء التوجيه بـ(تدريسه) لا (تعلمه وغرسه وتشجيع ممارساته) في مجتمعات التعلم، وهو الأمر الذي يصطدم -بتقديري- مع مبادئ التفكير الناقد المبني على الأسئلة المنطقية وتحدي الأفكار ومقارعة الحجة بأختها ودحض المثبت بنقيضه حين يتوفر بدلا من تقديمه كنظريات ومفاهيم بطريقة تدريسية!
مجمل القول إن تحرير المصطلح، ودقة انتقائه لا يعد ترفا لغويا، بل هو أبعد من ذلك بكثير، فالمصطلح الذي نختاره يمثل المظلة العامة التي تنطلق من تحتها الإجراءات والقرارات والعمليات التطويرية والجودة والمراجعة، وكذلك سلاسل المتابعة والتقويم متبوعا بالتقييم ومعاودة التجربة وفق النتائج المتحصلة.
آمل من (وزارة التعليم) أن تتحول لـ(وزارة التعلم) لثلاثة أسباب: أولها أن ما يتم فعليا في المدارس والجامعات عملية (تعلم) وليس (تعليم)، فنحن وإن كنا أساتذة اليوم فقد كنا طلابا بالأمس ونعي تماما كم دار بيننا وبين معلمينا من النقاشات والتحليلات والتفكير العميق والعمل التشاركي والتي تمثل بمجملها روح التعلم لا التعليم، وثانيهما: أن الوزارة اليوم تنتهج عملا معرفيا عصريا وتتعاقب قراراتها كثيرا نحو التعلم والشراكة الحقيقية بين الطالب وأستاذه، وهي تراجع المناهج على هذا الأساس وتحدد كثيرا من أنماط السلوكيات المعرفية وفقا لهذا المبدأ وكل ذلك يعتبر عملا تعلميا لا تعليميا، والأمر الأخير أن مراجعة المسميات على امتداد تاريخ الوزارة كان موضوعا مطروحا للنقاش بغرض التطوير فقد كانت فيما يحضرني وزارة المعارف ثم أصبحت وزارة التربية والتعليم ثم تحولت إلى وزارة التعليم، وغاية طمعي أن يأتي اليوم الذي تسمى فيه وزارة التعلم فتكون بذلك قد صنعت الخط الجميل بين الممارسات ومسمياتها المناسبة، وحينها سيزول كثير من اللبس وتتضح خارطة الطريق والسلام.
dralaaraj@