للجهات الحكومية.. لا تراهنوا على الحس الوطني فقط
السبت - 21 أغسطس 2021
Sat - 21 Aug 2021
لا تنفك تصلني يوميا رسائل نصية SMS من جهات تجارية وخدمية وحكومية، بعضها تسويقي وآخر تنبيهي وأكثرها تحذيري، كتلك التي وصلتني مؤخرا من وزارة الداخلية للإبلاغ عن مخالفي أنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.
والحقيقة أنه على كثرة ما تصلني رسائل من هذا النوع أصبحت لا تستوقفني نهائيا، ولا ألقي لها بالا، واعتقدت لوهلة أن السبب هو انغماسي في العمل الإعلامي، واطلاعي يوميا على عشرات الرسائل الشبيهة بها، وبالتالي لست معنيا بإعادة قراءتها.
إلا أن حديثا جمعني بعدد كبير من الأشخاص في قطاعات مختلفة وأعمار متباينة حول «الرسائل النصية» وحضورها في المشهد الاتصالي بوجود تطبيقات المراسلة البديلة، حيث أخذني الحديث لزوايا لم آلفها من قبل وأخرى لم أهتم بها، مثل أن بعضهم لا يجعل تطبيق الرسائل ضمن مفضلة الصفحة الأولى للجوال، رغم سيل الرسائل التي تصل عبره، وآخرين لا يفعلون إشعاراته، وفئة ثالثة بلغت الرسائل المستلمة غير المشاهدة بالمئات، ورابعة لا تتذكر متى آخر مرة استخدمته.
الغريب أن شريحة كبيرة منهم أكدت أن سبب إهمالهم لهذه الرسائل، هو عدم تفاعلهم مع محتواها، سواء وصلتهم نصية أو عبر أي تطبيق آخر.
وهنا أخذ الحوار منحى آخر، فمسألة عدم التفاعل مع ما تبثه الجهات الحكومية من رسائل تنبيهية وتحذيرية لأمور تود إشعارهم بها أو طلب مساعدتهم فيها، يعد أمرا مقلقا.
وبسؤالي عن السبب، كانت إجاباتهم، ما الفائدة التي سنجنيها من الإبلاغ عن شخص ارتكب مخالفة أو فعلا متهورا أو خادشا للحياء أو حتى جريمة؟ وما الذي سيحدث بعد أن نبلغ؟ فهذه النيابة العامة ووزارة الداخلية تصدران يوميا عشرات الرسائل عن إلقاء القبض على مخالفين وجناة بعد رصدهم لمقاطع مصورة انتشرت في منصات التواصل.. فما الذي حدث بعدها؟ لا شيء، هذا إن لم يتعرض ناشر المقطع للعقوبة وفقا لقانون الجرائم المعلوماتية.
لوهلة شعرت بالارتباك والحيرة، فبعض الحديث يمكن اعتباره تخاذلا وانعدام حس بالمسؤولية، والبعض الآخر يحمل وجهة نظر تستحق التأمل.
في الشق الأول، لو تمعنت في مجمل التحولات والتغيرات التي طرأت على المجتمع، ستدرك عن أي أشخاص وعقليات نتحدث اليوم، فما كان مقدسا بالأمس أصبح اليوم مدنسا، وما كان محرما غدا سيغدو مباحا، يكفي أن تسير في مجمع تجاري أو تتصفح مواقع «التفكك الاجتماعي» وتشاهد ما يقدمه البعض عبر موضة «البث المباشر» من إسفاف ومجون وكسر لكل ثابت بالمجتمع لتوقن بهذا التبدل.
وفي الشق الثاني، لماذا تتوقف معظم الأخبار الأمنية عند عبارة «تم القبض»، ولا يعلم الناس بالعقوبة التي تلقاها المخالف كي يتعظوا ويرتدعوا؟ الأسوأ أن يعود من تم القبض عليه لاحقا أكثر شهرة مما كان، ويحصد جماهيرية «القبض عليه» أضعافا مضاعفة.
وهنا تساءلت كيف يمكن للأجهزة المعنية أن ترصد بشكل منفرد كل ما يحدث من مخالفات فيما لو توقف الناس فعليا عن مساندتها خاصة وأنه لا توجد لديها تغطية مصورة (CCTV) لمعظم الأماكن، ولا يستطيع أفرادها التواجد في كل مكان؟ فهل هناك من حل لتوسيع دائرة المشاركة المجتمعية؟
على الفور قفز إلى ذهني أحد تعريفات البراغماتية في قاموس كولينز الإنجليزي، والذي عرفها بأنها التعامل مع المشكلات بطريقة عملية بدلا من الاعتماد على مجرد مبادئ نظرية، بمعنى لماذا ينتظر تطوع الناس للمشاركة المجتمعية، بدلا من جذبهم لها؟
ووفقا لمبدأ «لا يمكن أن تحصل على كل شيء دون أن تقدم في المقابل شيئا» أتساءل لماذا لا تسعر الجهات الحكومية خدمات مخالفاتها، بحيث تكون هناك قيمة مالية مرصودة لمن يبلغ عن أي مخالفة تقع أمامه، كما هو حاصل مع مخالفات الغش التجاري، حين يحصل المبلغ على مكافأة لا تقل عن 30% من قيمة الغرامة المفروضة على المخالف، فتكون هناك مكافأة تمثل نسبة ثابتة من قيمة أي مخالفة مرورية، ومثلها للمخالفات البلدية والطبية والأمنية والفساد المالي والإداري والأخلاقي وغيرها، على أن تكون آلية التبليغ متاحة عبر تطبيق واحد يتواجد على أجهزة الجوال، يرسل المخالفة مباشرة لمركز عمليات موحد مخصص لهذا الشأن.
وبعد اعتماد المخالفة والمكافأة المستحقة، تكون هناك خيارات لاستلامها، كأن تودع في حسابه البنكي، أو استخدامها لسداد رسوم واستحقاقات لاحقة، أو التنازل عنها لمنصة «تبرع» للمساعدة في سداد ديون المتعثرين.
الأكيد أن أمن الوطن ليس مسؤولية رجال الأمن وحدهم، ورصد مخالفات البناء والمطاعم والبقالات ليس حكرا على مفتشي البلديات، كما أن الفساد المالي والإداري لا تستطيع النيابة العامة وهيئة الفساد ملاحقته بمعزل عن الناس، فلماذا لا ينسحب قرار مكافأة مبلغي الغش التجاري وتهريب المخدرات على باقي المخالفات، ونحن هنا لا نبتدع جديدا، فوزارتا التجارة والداخلية تطبقانه منذ سنوات، وتجنيان ثماره.
الأكيد أن هذه الخطوة ستحقق أمرين: توسيع دائرة التغطية الرقابية، وتقليل حجم التجاوزات والمخالفات خوفا من عيون الرقباء، وبالتالي انعكاسها على أمن الوطن والمواطنين.. فهل سيؤخذ بهذا المبدأ أم ستستمر الجهات الحكومية في رهانها على الحس الوطني للناس فقط؟
@alnowaisir
والحقيقة أنه على كثرة ما تصلني رسائل من هذا النوع أصبحت لا تستوقفني نهائيا، ولا ألقي لها بالا، واعتقدت لوهلة أن السبب هو انغماسي في العمل الإعلامي، واطلاعي يوميا على عشرات الرسائل الشبيهة بها، وبالتالي لست معنيا بإعادة قراءتها.
إلا أن حديثا جمعني بعدد كبير من الأشخاص في قطاعات مختلفة وأعمار متباينة حول «الرسائل النصية» وحضورها في المشهد الاتصالي بوجود تطبيقات المراسلة البديلة، حيث أخذني الحديث لزوايا لم آلفها من قبل وأخرى لم أهتم بها، مثل أن بعضهم لا يجعل تطبيق الرسائل ضمن مفضلة الصفحة الأولى للجوال، رغم سيل الرسائل التي تصل عبره، وآخرين لا يفعلون إشعاراته، وفئة ثالثة بلغت الرسائل المستلمة غير المشاهدة بالمئات، ورابعة لا تتذكر متى آخر مرة استخدمته.
الغريب أن شريحة كبيرة منهم أكدت أن سبب إهمالهم لهذه الرسائل، هو عدم تفاعلهم مع محتواها، سواء وصلتهم نصية أو عبر أي تطبيق آخر.
وهنا أخذ الحوار منحى آخر، فمسألة عدم التفاعل مع ما تبثه الجهات الحكومية من رسائل تنبيهية وتحذيرية لأمور تود إشعارهم بها أو طلب مساعدتهم فيها، يعد أمرا مقلقا.
وبسؤالي عن السبب، كانت إجاباتهم، ما الفائدة التي سنجنيها من الإبلاغ عن شخص ارتكب مخالفة أو فعلا متهورا أو خادشا للحياء أو حتى جريمة؟ وما الذي سيحدث بعد أن نبلغ؟ فهذه النيابة العامة ووزارة الداخلية تصدران يوميا عشرات الرسائل عن إلقاء القبض على مخالفين وجناة بعد رصدهم لمقاطع مصورة انتشرت في منصات التواصل.. فما الذي حدث بعدها؟ لا شيء، هذا إن لم يتعرض ناشر المقطع للعقوبة وفقا لقانون الجرائم المعلوماتية.
لوهلة شعرت بالارتباك والحيرة، فبعض الحديث يمكن اعتباره تخاذلا وانعدام حس بالمسؤولية، والبعض الآخر يحمل وجهة نظر تستحق التأمل.
في الشق الأول، لو تمعنت في مجمل التحولات والتغيرات التي طرأت على المجتمع، ستدرك عن أي أشخاص وعقليات نتحدث اليوم، فما كان مقدسا بالأمس أصبح اليوم مدنسا، وما كان محرما غدا سيغدو مباحا، يكفي أن تسير في مجمع تجاري أو تتصفح مواقع «التفكك الاجتماعي» وتشاهد ما يقدمه البعض عبر موضة «البث المباشر» من إسفاف ومجون وكسر لكل ثابت بالمجتمع لتوقن بهذا التبدل.
وفي الشق الثاني، لماذا تتوقف معظم الأخبار الأمنية عند عبارة «تم القبض»، ولا يعلم الناس بالعقوبة التي تلقاها المخالف كي يتعظوا ويرتدعوا؟ الأسوأ أن يعود من تم القبض عليه لاحقا أكثر شهرة مما كان، ويحصد جماهيرية «القبض عليه» أضعافا مضاعفة.
وهنا تساءلت كيف يمكن للأجهزة المعنية أن ترصد بشكل منفرد كل ما يحدث من مخالفات فيما لو توقف الناس فعليا عن مساندتها خاصة وأنه لا توجد لديها تغطية مصورة (CCTV) لمعظم الأماكن، ولا يستطيع أفرادها التواجد في كل مكان؟ فهل هناك من حل لتوسيع دائرة المشاركة المجتمعية؟
على الفور قفز إلى ذهني أحد تعريفات البراغماتية في قاموس كولينز الإنجليزي، والذي عرفها بأنها التعامل مع المشكلات بطريقة عملية بدلا من الاعتماد على مجرد مبادئ نظرية، بمعنى لماذا ينتظر تطوع الناس للمشاركة المجتمعية، بدلا من جذبهم لها؟
ووفقا لمبدأ «لا يمكن أن تحصل على كل شيء دون أن تقدم في المقابل شيئا» أتساءل لماذا لا تسعر الجهات الحكومية خدمات مخالفاتها، بحيث تكون هناك قيمة مالية مرصودة لمن يبلغ عن أي مخالفة تقع أمامه، كما هو حاصل مع مخالفات الغش التجاري، حين يحصل المبلغ على مكافأة لا تقل عن 30% من قيمة الغرامة المفروضة على المخالف، فتكون هناك مكافأة تمثل نسبة ثابتة من قيمة أي مخالفة مرورية، ومثلها للمخالفات البلدية والطبية والأمنية والفساد المالي والإداري والأخلاقي وغيرها، على أن تكون آلية التبليغ متاحة عبر تطبيق واحد يتواجد على أجهزة الجوال، يرسل المخالفة مباشرة لمركز عمليات موحد مخصص لهذا الشأن.
وبعد اعتماد المخالفة والمكافأة المستحقة، تكون هناك خيارات لاستلامها، كأن تودع في حسابه البنكي، أو استخدامها لسداد رسوم واستحقاقات لاحقة، أو التنازل عنها لمنصة «تبرع» للمساعدة في سداد ديون المتعثرين.
الأكيد أن أمن الوطن ليس مسؤولية رجال الأمن وحدهم، ورصد مخالفات البناء والمطاعم والبقالات ليس حكرا على مفتشي البلديات، كما أن الفساد المالي والإداري لا تستطيع النيابة العامة وهيئة الفساد ملاحقته بمعزل عن الناس، فلماذا لا ينسحب قرار مكافأة مبلغي الغش التجاري وتهريب المخدرات على باقي المخالفات، ونحن هنا لا نبتدع جديدا، فوزارتا التجارة والداخلية تطبقانه منذ سنوات، وتجنيان ثماره.
الأكيد أن هذه الخطوة ستحقق أمرين: توسيع دائرة التغطية الرقابية، وتقليل حجم التجاوزات والمخالفات خوفا من عيون الرقباء، وبالتالي انعكاسها على أمن الوطن والمواطنين.. فهل سيؤخذ بهذا المبدأ أم ستستمر الجهات الحكومية في رهانها على الحس الوطني للناس فقط؟
@alnowaisir