وثيقة سرية توقعت سيناريو سقوط كابول

23 موظفا في السفارة الأمريكية وقعوا على مذكرة مهمة منذ 13 يوليو مشاهد استيلاء طالبان على مفاصل السلطة تكرر مشاهد الخروج من فيتنام براندز: لماذا انهار الجيش الأفغاني سريعا وفشلت أمريكا بشكل مأساوي؟ أزمة أخلاقية عميقة أضعفت الثقة العالمية في سياسة الولايات المتحدة
23 موظفا في السفارة الأمريكية وقعوا على مذكرة مهمة منذ 13 يوليو مشاهد استيلاء طالبان على مفاصل السلطة تكرر مشاهد الخروج من فيتنام براندز: لماذا انهار الجيش الأفغاني سريعا وفشلت أمريكا بشكل مأساوي؟ أزمة أخلاقية عميقة أضعفت الثقة العالمية في سياسة الولايات المتحدة

السبت - 21 أغسطس 2021

Sat - 21 Aug 2021

توقعت وثيقة سرية سيناريو سقوط العاصمة الأفغانية كابول قبل شهر كامل من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وكشفت عن المكاسب الكبيرة التي حققتها حركة طالبان على الأرض، في مقابل الانهيار الكامل للجيش الأفغاني.

وحذرت المذكرة المرسلة في 13 يوليو من قبل كبار المسؤولين والموجهة لوزارة الخارجية الأمريكية من الانهيار المحتمل لكابول بعد وقت قصير من الموعد النهائي لانسحاب القوات الأمريكية في أفغانستان في 31 أغسطس، وفق مسؤول أمريكي، وشخص مطلع على الوثيقة.

واعتبرت صحيفة (24) الإماراتية أن الوثيقة السرية أوضح دليل حتى الآن على أن الإدارة الأمريكية تلقت تحذيرات من مسؤولين على الأرض من تقدم طالبان الوشيك، والشك في قدرة الجيش الأفغاني على إيقافه.

تحذير مبكر

وحذرت البرقية التي أرسلت عبر القناة السرية لوزارة الخارجية من مكاسب سريعة لطالبان على الأرض، وما تلاها من انهيار لقوات الأمن الأفغانية، وقدمت توصيات لتخفيف الأزمة وتسريع الإجلاء، على حد قول المصدرين، ودعت وزارة الخارجية إلى استخدام لغة أكثر صرامة في وصف الفظائع التي ترتكبها طالبان، على حد قول أحدهما.

وطالب حوالي 18 ألف أفغاني بالحصول على تأشيرات الهجرة للولايات المتحدة، وعائلاتهم، على الأرض في أفغانستان، حتى نهاية الأسبوع الماضي، نصفهم تقريبا خارج كابول في مناطق خاضعة بالفعل لسيطرة طالبان، وأصبحت الجهود المبذولة لنقلهم إلى مطار كابول، أكثر صعوبة.

وقال المسؤولان «إن 23 موظفا في السفارة الأمريكية، جميعهم أمريكيون، وقعوا البرقية المؤرخة في 13 يوليو، وإنه كان هناك إلحاح لتسليم البرقية، نظرا للظروف على الأرض في كابول».

معارضة بلينكن

وأرسلت الوثيقة السرية إلى وزير الخارجية أنطوني بلينكن، ومدير تخطيط السياسات سلمان أحمد، وتلقى بلينكن البرقية وراجعها بعد فترة وجيزة من تسلمها، وفقا للشخص المطلع، الذي أضاف أن التخطيط للطوارئ كان قيد التنفيذ بالفعل حينها، وأن بلينكن رحب بتعليقاتهم.

ورفض المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس التحدث عن البرقية، لكنه قال لصحيفة «وول ستريت جورنال» إن بلينكن يقرأ كل معارضة، ويراجع كل رد.

وتضاف البرقية السرية لوزارة الخارجية إلى نقاش موسع يشمل البيت الأبيض، والبنتاجون، وأجهزة الاستخبارات، حول ما فهمه المسؤولون الأمريكيون من تقييمات الاستقرار في أفغانستان.

مشاهد فيتنام

وعلى صعيد متصل، أعادت مشاهد دخول حركة طالبان الأفغانية العاصمة كابول واستيلائها على مفاصل السلطة في البلاد بشكل سريع للغاية، مع انسحاب القوات الأمريكية من البلاد، مشاهد مماثلة لخروج الولايات المتحدة من فيتنام.

ويشير الباحث هال براندز، وهو خبير في السياسة الخارجية الأمريكية، إلى عدة أسئلة يرى أنه يجب طرحها بشأن كيفية وصول حرب استمرت عشرين عاما إلى ذروتها بفشل ذريع ومأساوي. لماذا انهار الجيش الأفغاني بهذه السرعة المذهلة؟ ما هي الأسباب الجذرية لفشل أمريكا في أفغانستان؟ ولكن السؤال الأكثر أهمية هو: كيف ستتعافى قوة عالمية عظمى من مثل هذه الهزيمة المذلة؟

كارثة إنسانية

وليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها الولايات المتحدة هذا الموقف، فعندما غادرت آخر مروحية أمريكية مدينة سايجون، عاصمة ما كان يعرف بدولة فيتنام الجنوبية، في عام 1975، خلفت الولايات المتحدة وراءها كارثة إنسانية مماثلة وواجهت أسئلة مماثلة حول التأثير العالمي لانتكاسة مدمرة.

وتحولت أمريكا من الهزيمة في فيتنام إلى النصر في الحرب الباردة بعد عقد ونصف عقد من الزمان، وهو تحول قد يتعلم منه المسؤولون الأمريكيون درسا اليوم.

ويقول براندز في تقرير نشرته وكالة بلومبيرج للأنباء «إن أوجه التشابه في الحالتين ليست دقيقة، فقد كانت عواقب الهزيمة أسوأ في فيتنام؛ لأن تكلفة التدخل الأمريكي هناك، في الأرواح، فضلا عن الانقسام الداخلي، كانت أكبر حجما».

وكان السياق مختلفا أيضا، فقد اقترب سقوط سايجون من نهاية التنافس بين القوى العظمى، أكثر من بدايته، آنذاك. ولكن العناصر الأخرى في فيتنام لها صدى مخيف تمثل في الانهيار السريع لنظام صديق، والشكوك الناتجة عن ذلك فيما يتعلق بمصداقية الولايات المتحدة وكفاءتها، وقبل كل شيء، حتمية التعافي.

أزمة أخلاقية

ويؤكد براندز، أن الدرس الأول هو أن العودة الأمريكية لم تحدث بسرعة، فعلى مدى نصف عقد من الزمان، بدت واشنطن في تراجع في كل موقع، تقريبا، واغتنم السوفيت الفرصة لدعم وكلاء الشيوعيين بقوة أكبر في أنجولا وإثيوبيا وأماكن أخرى في العالم النامي، وأثار ذلك قلق حلفاء الولايات المتحدة، فقد تساءلت بلدان في مختلف أنحاء جنوب شرق آسيا، علنا في بعض الأحيان، عما إذا كانت حماية واشنطن تستحق الكثير بعد الآن.

كما أنها أحبطت معنويات أمريكا نفسها، ففي خلال أواخر سبعينات القرن الماضي، كانت الولايات المتحدة قوة عظمى مذهولة، وغير واضحة، واستهلكها الشك في الذات، وقد لخص الرئيس الأمريكي آنذاك، جيمي كارتر، المزاج العام في وقت مبكر من رئاسته عندما قال «خلفت الحرب الفيتنامية أزمة أخلاقية عميقة، مما أضعف الثقة العالمية في سياستنا ونظام حياتنا، وهي أزمة ثقة زاد من حدتها التشاؤم الخفي لبعض قادتنا».

نهاية المطاف

ووفقا للكاتب، فإن ما يحدث خارج أفغانستان سوف يكون في نهاية المطاف أكثر أهمية لمستقبل القوة الأمريكية مما يحدث داخل البلاد. وإذا تمكنت الولايات المتحدة، خلال السنوات المقبلة، من تنفيذ جوانب رئيسة أخرى من جدول أعمال الرئيس جو بايدن، بما يتمثل في حشد تحالف واسع مناهض للصين، ووضع أطر أقوى للتعاون الديمقراطي، وتركيز الجيش الأمريكي على تحديات الردع والدفاع غربي المحيط الهادئ، وبناء الشراكات التكنولوجية اللازمة للحد من محاولة بكين للتفوق الرقمي، فإن إرث أفغانستان لن يلوح في الأفق بهذا الحجم.

ومع ذلك، لن يحدث ذلك بمفرده، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الضرر الذي ألحقته أفغانستان سيتردد صداه في الخارج ليمتد إلى جوانب أخرى من السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك العلاقات مع الأصدقاء والحلفاء الرئيسين، من الهند إلى أوروبا الغربية. وفضلا عن ذلك، لا يوجد قانون طبيعي يضمن عودة أمريكا من جديد.