طال الليل يا معالي الوزير!

الخميس - 28 يوليو 2016

Thu - 28 Jul 2016

في عام الفيل لما قدم أبرهة لهدم الكعبة أتاه عبدالمطلب يشكو له ممن ظلمه في سرقة إبله، استغرب أبرهة واستصغره لهذا، فقال له كلمته المشهورة: أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه. كانت نظرة عبدالمطلب لا تتجاوز: أريد ما هو حقي، وباقي ظلمك سيتكفل به رب قادر على جيشك.

وفي عام «الوعود» تنهال رسائل شركات الدعاية في جوالي ليخبروني أني سعيد الحظ لوصول هذه الرسالة لي وأن الاشتراك واجب علي كمواطن صالح فيما قد أربح فيه قيمة «سكن»، وهو حلم يستحق الشحن لأجله، أو تأتيني رسالة من جمعية «...» لتحرص علي بأن أتصدق بإرسال رقم .. إلى..، ثم إني لم أرسل! ليس لأني مؤمن بأن المصابين لهم رب يدير شؤونهم، بل لأني واقعيا لا أصدق أن ما سيخصم من حسابي سيصل - كاملا - لمن يستحق.

الحقيقة أنا إنسان سيئ الظن، متشائم، أخشى سقوط لوحات المحلات على رأسي، لهذا لا أسير بجانب الحائط وهو أمر يزعج أولئك الذين يسقوننا «الوعود» صباحا لنصمت، وربما هم نسوا أنه من واجبنا كمثقفين أو أصحاب رأي إزعاجهم، ولكن يبدو أننا لا نجيد التعبير.

لما قالت عاشقة الرسام «غوخ» إنه لا يستمع لها، قطع أذنه وأرسلها إليها، كان يريد أن يخبرها بأنه يستمع لها جيدا لكنه لا يجيد التعبير، وكعادة من لا يجدون التعبير عن همومهم فقد قتل «غوخ» نفسه في مصحة عقلية ليتم بيع لوحته «الدكتور غاشية» بأكثر من 140 مليونا، وهي قيمة مخطط سكني كامل قد يحوي المتشائمين من أمثالي.

وقبل أن تصاب «بوعكة فكرية» مما قرأت، نشر موقع أريبيان بزنس الخميس 21 يوليو 2016 أن وزارة الإسكان السعودية تعمل حاليا على مجموعة من البرامج والمبادرات تهدف إلى توفير الدعم السكني لجميع المواطنين، هذا غير الوعود السابقة بعام وقبله عام ولم ينفذ شيء، ولم يحم أحد الإبل أو يترك رب الإبل يحميها. وقررت إحداهن حماية إبلها بعرض كلاها مقابل سكن، لأنها لم تصلها رسائل جمعية «...» لسكنها في محافظة بعيدة عن خارطة «الفكر والدعاية» وقد يكون المستهدفون من الاثنين سكان العاصمة وما جاورها بنظرهم، ولما أراد أحدهم أن يعيب فعلها ذهب للصحف وحرص على ألا يظهر اسمه، ثم أخبرهم بأنها تستلم ما يقارب أربعة آلاف ريال غير الضمان المقارب لثلث السابق، غير أنه «ليتك سكت»!

لا أعلم هل رحلتي لكشف الحساب حين أنال قوت شهر تشبه رحلة معاليكم أم أن رحلة الشتاء والصيف هذه ليست في قاموسكم أصلا..؟

نحن يا صاحب المعالي ندفع 24 ألفا ليغطينا سقف، وربما لا يعني هذا المبلغ الكثير لك، فهو قيمة تذكرة سفر في درجة رجال الأعمال، وهذا المبلغ هو ذاته ما نصرفه في العام على الطعام والكسوة، وإن رغبنا بالسفر مرة فنحن نغمض أعيننا ونلتحف الحلم وننام ونسافر على ذات الدرجة التي تسافر عليها، ثم نستيقظ صامتين مطيعين منتظرين «وعود».

ويمر العام تلو العام ولا نرى شيئا، فنرسل لكم عيوننا وقلوبنا وكلانا ليُفهم أننا ننتظر ثم نموت كالمجانين وقد فقدنا من «كتالوج» أجسامنا ما فقدنا، ولا يباع شيء بعدنا فيناله الورثة غير ورقة صغيرة كتب عليها، انتظرنا الصباح وليس الصبح بقريب!